الاستدلالُ على بطلانِ خطبةِ وصلاةِ المرأةِ بالرجالِ
ـ[عبد الله زقيل]ــــــــ[23 - 03 - 05, 08:19 م]ـ
الحمدُ للهِ وبعدُ؛
نقلت وسائلُ الإعلامِ خبراً عن قيامِ امرأةٍ تدعى أمينة ودود بخطبةِ الجمعةِ والصلاةِ بالرجالِ والنساءِ في أمريكا، ولا أدري كيف تجرأت على فعلٍ كهذا هداها الله؟، وفعلها يذكرنا بقصةِ الرجلِ الذي بال في بئرِ زمزم ليقال أنهُ بال في بئرِ زمزم نسألُ اللهَ السلامَ والعافيةَ.
وفي مقالي هذا أريدُ أن أقفَ مع نصوصِ الشريعةِ في حكمِ عملِ أمينة ودود، من خلالِ ما جاء في الكتابِ والسنةِ وكلامِ العلماءِ في المسألةِ.
المسألةُ الأولى: إمامةُ المرأةِ للرجالِ في الصلاةِ:
لا يكادُ كتابٌ من كتبِ الفقهِ عند المذاهبِ الفقهيةِ المعتبرةِ إلا وأشار إلى مسألةِ حكمِ إمامةِ المرأةِ للرجالِ، وقد بلغتِ الجرأةُ بالمدعوةِ أمينة ودود أن قالت: " لا يوجدُ دليلٌ يمنعُ إمامةَ المرأةِ للرجالِ ".
أقولُ: " سبحانك هذا بهتانٌ عظيمٌ! "، ألهذهِ الدرجة بلغت بكِ الجرأة!؟، الافتراءُ والكذبُ على نصوصِ الكتابِ والسنةِ وعلى علماءِ الأمةِ، ولنحررِ المسألةَ من خلالِ النصوصِ ولنرى الكذب الذي لا يرضاهُ اللهُ ولا رسوله.
اتفق الفقهاءُ من الخلفِ والسلفِ على عدم صحةِ إمامةِ المرأةِ للرجال، بل حكى بعضُ الفقهاءِ الإجماعَ على ذلك ومنهم الرملي في " نهايةِ المحتاجِ " فقال: " (وَلَا تَصِحُّ قُدْوَةُ رَجُلٍ) أَيْ ذَكَرٍ، وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا (وَلَا خُنْثَى) مُشَكَّلٍ (بِامْرَأَةٍ) أَيْ أُنْثَى، وَإِنْ كَانَتْ صَبِيَّةً (وَلَا خُنْثَى) مُشَكَّلٍ بِالْإِجْمَاعِ فِي الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ إلَّا مَنْ شَذَّ ".ا. هـ.
وحكايةُ الإجماعِ فيها نظرٌ لأنه وُجد من خالف في المسألةِ، ومع ذلك العبرةُ بالدليلِ، فقد حكم بعضُ العلماءِ على قول من خالف في هذه المسألةِِ بالشذوذِ، والسعيدُ من وفق إلى الدليلِ الصحيحِ السالمِ من المعارضةِ والقدحِ، ولهذا قال الرملي: " إلَّا مَنْ شَذَّ "، وهذا فيه تقريرٌ مهمٌ أنه ليس كل خلاف معتبر، فربما يكونُ خلافاً شاذاً يصادمُ النصوصَ الكثيرةَ التي تحكمُ بشذوذه ولا شك.
أدلةُ القائلين بعدم صحةِ إمامةِ المرأة للرجال:
قبل ذكرِ الأدلةِ لا بد من تقريرِ قاعدةٍ مهمةٍ ألا وهي: " الأصلُ في العباداتِ التوقيفِ "، ودليلُ القاعدةِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ ". وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: " مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ".
أخرجهُ البخاري (2697)، ومسلم (1718).
قال الإمامُ النووي في " شرحِ مسلم " (12/ 16): " وَهَذَا الْحَدِيث قَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام، وَهُوَ مِنْ جَوَامِع كَلِمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ صَرِيح فِي رَدّ كُلّ الْبِدَع وَالْمُخْتَرَعَات. وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة زِيَادَة وَهِيَ أَنَّهُ قَدْ يُعَانِد بَعْض الْفَاعِلِينَ فِي بِدْعَة سَبَقَ إِلَيْهَا، فَإِذَا اُحْتُجَّ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى يَقُول: " أَنَا مَا أَحْدَثْت شَيْئًا "؛ فَيُحْتَجّ عَلَيْهِ بِالثَّانِيَةِ الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيح بِرَدِّ كُلّ الْمُحْدَثَات، سَوَاء أَحْدَثَهَا الْفَاعِل، أَوْ سَبَقَ بِإِحْدَاثِهَا ... وَهَذَا الْحَدِيث مِمَّا يَنْبَغِي حِفْظه وَاسْتِعْمَاله فِي إِبْطَال الْمُنْكَرَات، وَإِشَاعَة الِاسْتِدْلَال بِهِ ".ا. هـ.
وقال الإمامُ ابنُ القيمِ في " تعليقهِ على سننِ أبي داود ": " قَالُوا: وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كُلّ عَمَل لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرنَا فَهُوَ رَدٌّ "، وَفِي لَفْظ: " مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرنَا فَهُوَ رَدٌّ "، وَالرَّدّ فِعْل بِمَعْنَى الْمَفْعُول، أَيْ فَهُوَ مَرْدُود، وَعَبَّرَ عَنْ الْمَفْعُول بِالْمَصْدَرِ مُبَالَغَة، حَتَّى كَأَنَّهُ نَفْس الرَّدّ، وَهَذَا تَصْرِيح بِإِبْطَالِ كُلّ عَمَل عَلَى خِلَاف أَمْره وَرَدّه، وَعَدَم اِعْتِبَاره فِي حُكْمه الْمَقْبُول، وَمَعْلُوم أَنَّ الْمَرْدُود هُوَ الْبَاطِل بِعَيْنِهِ، بَلْ كَوْنه رَدًّا أَبْلَغَ مِنْ كَوْنه بَاطِلًا، إِذْ الْبَاطِل قَدْ يُقَال لِمَا لَا تَقَع فِيهِ أَوْ لِمَا مَنْفَعَته قَلِيلَة جِدًّا وَقَدْ يُقَال لِمَا يُنْتَفَع بِهِ ثُمَّ يَبْطُل نَفْعه، وَأُمًّا الْمَرْدُود فَهُوَ الَّذِي لَمْ يَجْعَلهُ شَيْئًا وَلَمْ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مَقْصُوده أَصْلًا ".ا. هـ.
وقال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " الفتح " (5/ 357): " وَهَذَا الْحَدِيث مَعْدُودٌ مِنْ أُصُول الْإِسْلَام وَقَاعِدَة مِنْ قَوَاعِده، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: مَنْ اِخْتَرَعَ فِي الدِّين مَا لَا يَشْهَد لَهُ أَصْل مِنْ أُصُوله فَلَا يُلْتَفَت إِلَيْه ".ا. هـ.
ولله درُ هؤلاءِ العلماءِ الأعلامِ في تقريرِ هذه القاعدةِ العظيمةِ، ولولا خشيةُ الإطالةِ لنقلتُ كلامَ العلماء في تعليقهم على حديثِ عائشةَ رضي اللهُ عنها. ولا شك أن أمينةَ أحدثت في الشريعةِ ما لم تسبق إليه، ولم يكن معروفاً منذ فجرِ الإسلامِ وإلى قيامِ الساعةِ.
وللبحثِ بقيةٌ ...
¥