أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" (ص197). قال: حدثني حوثرة بن أشرس بن عون العدوي، قال: أخبرني عقبة بن عبد الله بهذا.
أمَّا روايةُ الرفع، فتابع ابن أبي عروبة عليها أبان بن أبي عيَّاش. أخرجه عبد بن حميد في "المنتخب" (564) قال: حدثني مسلم بن إبراهيم قال: ثنا أبان بن أبي عياش، عن أبي تميمة، عن أبي موسى مرفوعًا. قال همامٌ، فقلتُ له: فإن قتادة لم يرفعْهُ، فقال أبانُ: أخبرني في بيتي مرفوعًا.
وإسنادهُ ساقطٌ، وأبانُ تالفٌ، ولكن تابعه الضحَّاك بن يسار أبو العلاء البصريُّ، أنه سمع أبا تميمة يحدِّثُ به عن أبي موسى مرفوعًا أخرجه أحمد (412/ 4) قال: حدثنا وكيعٌ. والبزار (3063 البحر)، والبيهقيُّ في "السنن الكبير" (300/ 4)، وفي "السنن الصغير" (1415) عن الطيالسيِّ وهذا في "مسنده" (514)، وابنُ حبان (3584)، والطبرانيُّ في "الأوسط" (2562) عن حفص بن عمر. والعقيليُّ في "الضعفاء" (2 - 219)، والبيهقي فى "الكبير" (4 - 300)، وفى "الشعب" (3891) عن أبي الوليد الطيالسيّ قالوا: ثنا الضحاك بن يشار بهذا الإسناد. وإسنادُهُ ضعيفٌ.
والضحاك؛ ضعّفه ابن معين، وأبو داود، والساجي، والعقيليَّ، وابنُ الجارود. ومع تضعيف هؤلاء النقاد له، قال ابنُ عدي: "لا أعرفُ له إلا الشيء اليسير" فهذا مما يقوي ضعفَهُ، خلافًا لأبي حاتمٍ، فإنه قال: "لا بأس به". وهذا قلَّما يقع لمثل أبي حاتم. والله أعلم.
وقد قال العقيلي في ترجمة "الضحَّاك": "وقد روي هذا عن أبي موسى موقوفًا، ولا يصحُّ مرفوعًا".
أمَّا معنى الحديث على فرض صحته؛ فقال ابن خزيمة (313/ 3143): "سألتُ المزنيَّ عن معنى هذا الحديث، فقال: يشبه أن يكون معناه، أي: ضيِّقت عنه جهنم، فلا يدخلُ جهنم، ولا يشبهُ أن يكون معناه غير هذا، لأن من ازداد لله عملا وطاعةً، ازداد عند الله رفعةً، وعليه كرامةً، وإليه قُرْبةً. هذا معنى جواب المزنيَّ". انتهى.
وقال البزار: "يحتمل معناه عندي والله أعلمُ أن تضيق عليه فلا يدخُلُها، جزاءً لصومه، ويحتمل أيضًا إذا صام الأيام التي نهى النبيُّ صلي الله عليه وسلم عن صومها، فتعمَّد مخالفة الرسول صلي الله عليه وسلم، أن يكون ذلك عقوبةً، لمخالفة رسول الله صلي الله عليه وسلم ". انتهى.
ونقل الحافظ في "الفتح" (223/ 4) كلام ابن خزيمة، ثم قال: "ورجّح هذا التأويل جماعةٌ، منهم الغزاليُّ، فقالوا: له مناسبةٌ من جهة أن الصائم لمَّا ضيَّق على نفسه مسالك الشهوات بالصوم، ضيَّق الله عليه النار، فلا يبقى له فيها مكانٌ، لأنه ضيَّق طرقها بالعبادة، وتُعُقِّب: ليس كلُّ عمل صالحٍ إذا ازداد العبدُ منه، ازداد من الله تقرُّبًا، بل رُبَّ عمل صالحٍ إذا ازداد منه، ازداد بُعْدًا كالصلاة في الأوقات المكروهة، والأولى إجراء الحديث على ظاهره، وحمله على من فوَّت حقًا واجبًا بذلك، فإنهُ يتوجَّه إليه الوعيد، ولا يخالفُ القاعدة التي أشار إليها المزنيُّ" اه.
قُلْتُ: وهذا جوابٌ بديعٌ من الحافظ رحمه الله، وما أمرُ الخوارج عنك ببعيد، فقد اتفق كلُّ من نقل أخبارهم على أنهم كانوا من أعبد الناس، حتى كنت ترى سيما الصلاة في وجه الواحد منهم كرُكبة العنز، مع فرط تألُّههم، وتجافيهم عن الدنيا، ومع ذلك قال فيهم رسولُ الله صلي الله عليه وسلم: "يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرَّميَّةِ، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم؛ لأقتلنهم قتل عادٍ".
فقومٌ يقول عنهم رسولُ الله صلي الله عليه وسلم مثل هذا القول الشديد، لا يزدادون بعبادتهم إلا بُعْدًا، وصدق ابن مسعودٍ رضي الله عنه إذ قال: "اقتصادٌ في سنةٍ، خيرٌ من عمل كثيرٍ في بدعةٍ". أو كما قال.
وما أحسن ما رواه البيهقيُّ في "سننه" (466/ 2) من طريق أبي زرعة الرازي، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا سفيان، عن أبي رباحٍ، عن سعيد بن المسيب؛ أنه رأى رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين، يكثر فيها الركوع والسجود، فنهاهُ. فقال: يا أبا محمد! يعذبُني اللهُ على الصلاة؟! قال: لا، ولكن يعذِّبُك على خلاف السنة.
وصحَّح إسناده شيخُنا أبو عبد الرحمن الألباني رحمه الله في "إرواء الغليل" (236/ 2).
¥