{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ}، لأن إدنائهن عليهن من جلابيبهن يشعر بأنهن حرائر، فهو أدنى وأقرب لأن يعرفن، أي: يعلم أنهن حرائر، فلا يؤذين من قبل الفساق الذين يتعرّضون للإماء، وهذا هو الذي فسّر به أهل العلم بالتفسير هذه الآية، وهو واضح، وليس المراد منه أن تعرض الفساق للإماء جائز هو حرام، ولا شك أن المتعرضين لهن من الذين في قلوبهم مرض، وأنهم يدخلون في عموم قوله: {وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} (33/ 06)، في قوله تعالى: {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِى الْمَدِينَةِ نَخْسِفْ بِهِمُ}، إلى قوله: {وَقُتّلُواْ تَقْتِيلاً}.
يتبع بإذن الله تعالى
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[31 - 03 - 05, 09:27 م]ـ
ومما يدلّ على أن المتعرض لما لا يحل من النساء من الذين في قلوبهم مرض، قوله تعالى: {فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ}، وذلك معنى معروف في كلام العرب، ومنه قول الأعشى: حافظ للفرج راض بالتقى ليس ممن قلبه فيه مرض
وفي الجملة: فلا إشكال في أمر الحرائر بمخالفة زي الإماء ليابهنّ الفساق، ودفع ضرر الفساق عن الإماء لازم، وله أسباب أُخر ليس منها إدناء الجلابيب.
تنبيه
قد قدّمنا في سورة «بني إسرائيل»، في الكلام على قوله تعالى: {إِنَّ هذا الْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ}، أن الفعل الصناعي عند النحويين ينحل عن مصدر وزمن؛ كما قال ابن مالك في «الخلاصة»: المصدر اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل كأمن من أمن
وأنه عند جماعات من البلاغيين ينحل عن مصدر، وزمن ونسبة.
وإذا علمت ذلك، فاعلم أن المصدر والزمن كامنان في مفهوم الفعل إجماعًا، وقد ترجع الإشارات والضمائر تارة إلى المصدر الكامن في مفهوم الفعل، وتارة إلى الزمن الكامن فيه.
فمثال رجوع الإشارة إلى المصدر الكامن فيه، قوله تعالى هنا: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ}، ثم قال: {ذلك أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ}، أي: ذلك الإدناء المفهوم من قوله: {يُدْنِينَ}.
ومثال رجوع الإشارة للزمن الكامن فيه قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِى الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمَ الْوَعِيدِ}، فقوله: {ذلك} يعني زمن النفخ المفهوم من قوله: {وَنُفِخَ}،أي: ذلك الزمن يوم الوعيد.
ومن الأدلّة على أن حكم آية الحجاب عام هو ما تقرّر في الأصول، من أن خطاب الواحد يعمّ حكمه جميع الأُمّة، ولا يختص الحكم بذلك الواحد المخاطب، وقد أوضحنا هذه المسألة في سورة «الحجّ»، في مبحث النهي عن لبس المعصفر، وقد قلنا في ذلك؛ لأن خطاب النبيّ صلى الله عليه وسلم لواحد من أُمّته يعمّ حكمه جميع الأُمة، لاستوائهم في أحكام التكليف، إلا بدليل خاص يجب الرجوع إليه، وخلاف أهل الأصول في خطاب الواحد، هل هو من صيغ العموم الدالَّة على عموم الحكم؟ خلاف في حال لا خلاف حقيقي، فخطاب الواحد عند الحنابلة صيغة عموم، وعند غيرهم من المالكية والشافعية وغيرهم، أن خطاب الواحد لا يعمّ؛ لأن اللفظ للواحد لا يشمل بالوضع غيره، وإذا كان لا يشمله وضعًا، فلا يكون صيغة عموم. ولكن أهل هذا القول موافقون على أن حكم خطاب الواحد عام لغيره، ولكن بدليل آخر غير خطاب الواحد وذلك الدليل بالنص والقياس.
أمّا القياس فظاهر، لأن قياس غير ذلك المخاطب عليه بجامع استواء المخاطبين في أحكام التكليف من القياس الجلي. والنص كقوله صلى الله عليه وسلم في مبايعة النساء: «إني لا أصافح النساء، وما قولي لامرأة واحدة إلا كقولي لمائة امرأة».
قالوا: ومن أدلّة ذلك حديث: «حكمي على الواحد حكمي على الجماعة». قال ابن قاسم العبادي في الآيات البيّنات: اعلم أن حديث «حكمي على الواحد حكمي على الجماعة»، لا يعرف له أصل بهذا اللفظ، ولكن روى الترمذي، وقال: حسن صحيح. والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، قوله صلى الله عليه وسلم في مبايعة النساء: «إني لا أصافح النساء»، وساق الحديث كما ذكرناه، وقال صاحب كشف الخفاء ومزيل الإلباس، عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس: «حكمي على الواحد حكمي على الجماعة»، وفي لفظ: «كحكمي على الجماعة»، ليس له أصل بهذا اللفظ؛ كما قاله العراقي في تخريج أحاديث البيضاوي. وقال في «الدرر» كالزركشي: لا يعرف. وسئل عنه المزي والذهبي فأنكراه، نعم يشهد له
¥