تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن الأحاديث التي استدلّوا بها على ذلك حديث جابر الثابت في الصحيح، قال: شهدت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان، ولا إقامة، ثم قام متوكّئًا على بلال فأمر بتقوى اللَّه، وحثّ على طاعته، ووعظ الناس، وذكّرهم ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكّرهن، فقال: «تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم»، فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين، فقالت: لِمَ يا رسول اللَّه؟ قال: «لأنكن تكثرن الشكاة، وتكفرن العشير»، قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطهن وخواتمهن، اه. هذا لفظ مسلم في «صحيحه»، قالوا: وقول جابر في هذا الحديث: سفعاء الخدّين يدلّ على أنها كانت كاشفة عن وجهها، إذ لو كانت محتجبة لما رأى خدّيها، ولما علم بأنها سفعاء الخدين. وأجيب عن حديث جابر هذا: بأنه ليس فيه ما يدلّ على أن النبيّ صلى الله عليه وسلم رآها كاشفة عن وجهها، وأقرّها على ذلك، بل غاية ما يفيده الحديث أن جابرًا رأى وجهها، وذلك لا يستلزم كشفها عنه قصدًا، وكم من امرأة يسقط خمارها عن وجهها من غير قصد، فيراه بعض الناس في تلك الحال، كما قال نابغة ذبيان:

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واثقتنا باليد

فعلى المحتجّ بحديث جابر المذكور، أن يثبت أنهصلى الله عليه وسلم رآها سافرة، وأقرّها على ذلك، ولا سبيل له إلى إثبات ذلك. وقد روى القصة المذكورة غير جابر، فلم يذكر كشف المرأة المذكورة عن وجهها، وقد ذكر مسلم في «صحيحه»، ممن رواها غير جابر أبا سعيد الخدري، وابن عباس، وابن عمر، وذكره غيره عن غيرهم. ولم يقل أحد ممن روى القصة غير جابر أنه رأى خدي تلك المرأة السفعاء الخدّين، وبذلك تعلم أنه لا دليل على السفور في حديث جابر المذكور. وقد قال النووي في شرح حديث جابر هذا عند مسلم، وقوله: فقامت امرأة من سطة النساء، هكذا هو في النسخ سطة بكسر السين، وفتح الطاء المخفّفة. وفي بعض النسخ: واسطة النساء. قال القاضي: معناه: من خيارهن، والوسط العدل والخيار، قال: وزعم حذاق شيوخنا أن هذا الحرف مغيّر في كتاب مسلم، وأن صوابه من سفلة النساء، وكذا رواه ابن أبي شيبة في مسنده، والنسائي في سننه. في رواية لابن أبي شيبة: امرأة ليست من علية النساء، وهذا ضد التفسير الأول ويعضده قوله بعده: سفعاء الخدّين هذا كلام القاضي، وهذا الذي ادّعوه من تغيير الكلمة غير مقبول، بل هي صحيحة، وليس المراد بها من خيار النساء؛ كما فسّره به هو، بل المراد: امرأة من وسط النساء جالسة في وسطهن. قال الجوهري وغيره من أهل اللغة: يقال: وسطت القوم أسطهم وسطًا وسطة، أي: توسطتهم، اه منه. وهذا التفسير الأخير هو الصحيح، فليس في حديث جابر ثناء البتّة على سفعاء الخدّين المذكورة، ويحتمل أن جابرًا ذكر سفعة خدّيها ليشير إلى أنها ليست ممن شأنها الافتتان بها؛ لأن سفعة الخدّين قبح في النساء. قال النووي: سفعاء الخدين، أي: فيها تغيّر وسواد. وقال الجوهري في «صحاحه»: والسفعة في الوجه: سواد في خدّي المرأة الشاحبة، ويقال للحمامة سفعاء لما في عنقها من السفعة، قال حميد بن ثور: من الورق سفعاء العلاطين باكرت فروع أشاء مطلع الشمس أسحما

قال مقيّده عفا اللَّه عنه وغفر له: السفعة في الخدّين من المعاني المشهورة في كلام العرب: أنها سواد وتغيّر في الوجه، من مرض أو مصيبة أو سفر شديد، ومن ذلك قول متمم بن نويرة التميمي يبكي أخاه مالكًا: تقول ابنة العمري ما لك بعدما أراك خضيبًا ناعم البال أروعا

فقلت لها طول الأسى إذ سألتني ولوعة وجد تترك الخد أسفعا

ومعلوم أن من السفعة ما هو طبيعي كما في الصقور، فقد يكون في خدي الصقر سواد طبيعي، ومنه قول زهير بن أبي سلمى: أهوى لها أسفع الخدين مطرق ريش القوادم لم تنصب له الشبك

والمقصود: أن السفعة في الخدّين إشارة إلى قبح الوجه، وبعض أهل العلم يقول: إن قبيحة الوجه التي لا يرغب فيها الرجال لقبحها، لها حكم القواعد اللاتي لا يرجون نكاحًا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير