قلت: فيما قاله الشيخ نظر من نواحي أقواها: أن تجمُّل سبيعة -رضي الله عنها- إنما كان للخطاب وأن أبا السنابل تقدم لخطبتها وقال لها هذا الكلام على أثر رفضها له فرؤية أبي السنابل بن بعكك لسبيعة إنما كانت وقت خطبته لها، وها نحن نسوق ما يؤيد ذلك -إن شاء الله- مع أننا ننبه هنا إلى أنه قد وردت لقصة سبيعة طرق كثيرة في بعضها ما ليس في الآخر, بل وفي بعضها ما يخالف ما في الآخر أشار إلى هذه الطرق الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9/ 469) فما بعده.
(38) قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- (فتح 9/ 475) وفيه (أي في الحديث) جواز تجمل المرأة بعد انقضاء عدتها لمن يخطبها.
قلت: وقد ورد في عدة طرق في الصحيحين وغيرهما أن تجملها كان للخطاب, وليس في الصحيحين ذكر الخضاب ولا الكحل ولا بأس أيضًا أن نذكر الرواية التي احتج بها الشيخ ناصر -رحمه الله- ونناقشها.
قال الإمام أحمد -رحمه الله- (6/ 432):
ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله قال: أرسل مروان عبد الله بن عتبة إلى سبيعة بنت الحارث يسألها عما أفتاها به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأخبرته: أنها كانت تحت سعد بن خولة فتوفي عنها في حجة الوداع, وكان بدريًا فوضعت حملها قبل أن ينقضي أربعة أشهر وعشر من وفاته, فلقيها أبو السنابل -يعني ابن بعكك- حين تعلت من نفاسها وقد اكتحلت فقال لها: اربعي على نفسك -أو نحو ذلك- لعلك تريدين النكاح إنها أربعة أشهر وعشر من وفاة زوجك, قالت: فأتيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكرت له ما قال أبو السنابل بن بعكك, فقال لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((قد حللت حين وضعت حملك)).
حدثنا إبراهيم بن خالد ثنا رباح عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: إن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة (كذا في المسند, ولعله عبد الله ابن عتبة) كتب إلى عبد الله بن الأرقم يأمره أن يدخل على سبيعة بنت الحارث يسألها عما أفتاها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فزعمت: أنها كانت تحت سعد بن خولة فذكر معناه.
حدثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدثني الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه قال: كتبت إلى عبد الله بن الأرقم آمره أن يدخل على سبيعة الأسلمية فيسألها عن شأنها قال: فدخل عليها فذكر الحديث.
هذا أصل الحديث الذي ذكره الشيخ ناصر -رحمه الله- في كتابه والزيادات تأتي في حديث آخر نشير إليه قريبًا.
أما بالنسبة للحديث المتقدم فمن الواضح بالنظر في مجموع طرقه التي أوردناها بالإضافة إلى ما في صحيح البخاري (مع الفتح 7/ 310) , ومسلم (3/ 704) أن هناك واسطة بين عبد الله بن عتبة وبين سيبعة الأسلمية -رضي الله عنها-, وأن هذه الواسطة في المسند عبد الله بن أرقم, وفي الصحيحين عمر بن عبد الله بن أرقم والذي نرجحه هو ما رجحه الحافظ ابن حجر (في الفتح 9/ 471) أنه عمر بن عبد الله بن أرقم, وعمر هذا قال فيه الحافظ في التقريب: مقبول ومعنى قول الحافظ: مقبول أنه مقبول إذا توبع وإلا فلين.
ثم أنه ليس في الرواية السابقة ما يفيد كشف الوجه الكحل يُرى من خلال النقاب. أما الرواية التي فيها الخضاب فنذكرها هنا إذ إنها تفيد أيضًا أن أبا السنابل كان إنما رآها لخطبتها.
قال الإمام احمد -رحمه الله- (6/ 432) ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: دخلت على سيبعة بنت أبي برزة الأسلمية فسألتها عن أمرها فقالت: كنت عند سعد بن خولة فتوفي عني فلم أمكث إلا شهرين حتى وضعت فخطبني أبو السنابل بن بعكك أخو بني عبد الدار, فتهيأت للنكاح قالت: فدخل علي حموي وقد اختضبت وتهيأت فقال: ماذا تريدين يا سبيعة؟ قالت: فقلت أريد أن أتزوج قال: والله ما لك من زوج حتى تعتدين أربعة أشهر وعشرًا, قالت: فجئت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكرت ذلك له فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم لي: ((قد حللت فتزوجي)).
فهذا فيه ما يساعدنا على الجزم بما قدمناه ألا وهو أن أبا السنابل بن بعكك إنما رآها أثناء خطبته لها. والله أعلم.
استدلالات أخرى استدل بها الشيخ ناصر وتوجيهها وتفنيدها.
¥