[اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى]
ـ[المغناوي]ــــــــ[03 - 04 - 05, 09:55 م]ـ
[اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى]
ابن رجب
الصفحة: 1
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
الحمد لله رب العالمين، وصلاته وسلامه على محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، ورسول رب العالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
خرّج الإمام أحمد رحمه الله من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: احتُبِس عنا رسول الله) ذات غداة في صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى قرن الشمس، فخرج رسول الله) سريعاً فثوّب بالصلاة وصلى وتجوّز في صلاته، فلما سلم قال: "كما أنتم على مصافكم". ثم أقبل إلينا فقال: "إن سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة: إني قمت من الليل فصليت ما قدر لي، فنعست في صلاتي حتى استثقلت، فإذا أنا بربي عز وجل في أحسن صورة، فقال: يا محمد! فيمَ يختصم الملأ الأعلى؟. قلت: لا أدري رب. قال: يا محمد! فيم يختصم الملأ الأعلى؟. قلت: لا أدري رب. قال: يا محمد! فيم يختصم الملأ الأعلى؟. قلت: لا أدري رب. فرأيته وضع كفّه بين كتفيّ حتى وجدت برد أنامله في صدري، وتجلّى لي كل شيء وعرفت، فقال: يا محمد! فيم يختصم الملأ الأعلى؟. قلت: في الكفّارات والدرجات. قال: وما الكفارات؟. قلت: نقل الأقدام إلى الجمعات، والجلوس في المساجد بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء على الكريهات. فقال: وما الدرجات؟. قلت: إطعام الطعام، ولين الكلام، والصلاة والناس نيام. قال: سلْ. قلت: "اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر أي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفَّني غير مفتون، وأسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك". وقال رسول الله): "إنها حقّ، فادرسوها وتعلموها".
وخرّجه الترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح"، قال: وسألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا، فقال: "هذا حديث حسن صحيح".
قلت: وفي إسناده اختلاف، وله طرق متعددة، وفي بعضها زيادة وفي بعضها نقصان، وقد ذكرت عامة أسانيده وبعض ألفاظه المختلفة في كتاب شرح الترمذي.
وفي بعض ألفاظه عند الإمام أحمد والترمذي أيضاً: "المشي على الأقدام إلى الجماعات" بدل "الجمعات"، وفيه أيضاً عندهما بعد ذكر الكفارات زيادة: " ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه"، وفيه أيضاً عندهما: "والدرجات: إفشاء السلام ... " بدل "لين الكلام".
وفي بعض رواياته: " ... فعلمت ما في السماء والأرض". ثم تلى:) وكذلك نُري إبراهيمَ ملكوتَ السموات والأرضِ وليمونَ من المُوقِنينَ (. وفي رواية أخرى: " ... فتجلّى له ما بين السماء والأرض"، وفي رواية: " ... ما بين المشرق والمغرب".
وفي بعضها زيادة في الدعاء، وهي: " ... وتتوب عليّ"، وفي بعضها: "إسباغ الوضوء في السبرات"، وفي بعضها: "وقال: يا محمد! إذا صليت فقل: اللهم إني أسألك فعل الخيرات ... " فذكره.
والمقصود هنا: شرح الحديث وما يستنبط منه من المعارف والأحكام وغير ذلك.
ففي الحديث دلالة على أن النبي) لم يكن من عادته تأخير صلاة الصبح إلى قريب طلوع الشمس، وإنما كانت عادته التغليس بها، وكان أحياناً يسفر بها عند انتشار الضوء على وجه الأرض، وأما تأخيرها إلى قريب طلوع الشمس فلم يكن من عادته، ولهذا اعتذر عنهم في هذا الحديث.
وقد قيل: إن تأخيرها إلى هذا الإسفار الفاحش لا يجوز لغير عذر، وأنه وقت ضرورة كتأخير العصر إلى بعد اصفرار الشمس، وهو قول القاضي من أصحابنا في بعض كتبه، وقد أومأ إليه الإمام أحمد، وقال: "هذه صلاة مفرِّط، إنما الإسفار أن ينتشر الضوء على الأرض".
وفي الحديث: دلالة على أن من أخر الصلاة إلى آخر الوقت لعذر أو غيره وخاف خروج الوقت في الصلاة إن طوّلها أن يخففها حتى يدركها كلها في الوقت.
¥