تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما إفشاء السلام فمن موجبات الجنة، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي) قال: "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم". وخرّج أبو داود من حديث أبي أمامة عن النبي) قال: " إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام". ويروى من حديث ابن مسعود مرفوعاً وموقوفاً: "إذا مرّ الرجل بالقوم فسلّم عليهم فردّوا عليه كان له عليهم فضل درجة لأنه ذكرهم بالسلام، وإن لم يردوا عليه ردّ عليه ملأٌ خير منهم وأطيب".

وقد روي من حديث عمران بن حصين وغيره أن رجلاً دخل على النبي) فقال: السلام عليكم. فقال النبي):"عشرٌ"، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله. فقال رسول الله): "عشرون"، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فقال رسول الله): "ثلاثون". خرجه الترمذي وغيره، وخرجه أبو داود، وزاد: ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته. فقال النبي): "أربعون" ثم قال: "هكذا تكون الفضائل".

وقد سبق حديث: "أن تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" وفي حديث ابن مسعود مرفوعاً: "من أشراط الساعة: السلام بالمعرفة". خرجه الإمام أحمد.

وإنما جمع بين إطعام الطعام ولين الكلام ليكمل بذلك الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل، فلا يتم الإحسان بإطعام الطعام إلا بلين الكلام وإفشاء السلام، فإن أساء بالقول بطل الإحسان بالفعل من الإطعام وغيره كما قال تعالى:) يآ أيُّها الذين آمنوا لا تُبطِلوا صدقاتِكم بالمنِّ والأذى وربما كان معاملة الناس بالقول الحسن أحب إليهم من الإحسان بإعطاء المال كما قال لقمان لابنه: يا بنيّ! لتكن كلمتك طيبة، ووجهك منبسطاً، تكن أحب إلى الناس ممن يُعطيهم الذهب والفضة. وقد كان النبي) يلين القول لمن يشهد له بالشر فينتفي بذلك شرّه، وكان) لا يواجه أحداً بما يكره في وجهه ولم يكن) فاحشاً ولا متفحشاً.

وروي عن ابن عمر أنه كان ينشد:

بنيَّ إنّ البرَّ شيءٌ هيِّنٌ

:وجهٌ طليقٌ وكلامٌ ليِّنٌ

[اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى]

ابن رجب

الصفحة: 11

[اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى]

ابن رجب

الصفحة: 12

ولبعضهم:

خُذ العفو وأمر بعرف كما

أُمِرتَ وأعرضْ عن الجاهلينْ

ولِنْ في الكلام لكلِّ الأنامِ

فمُستحسَنُ من ذوي الجاهِ لينْ

وقد وصف الله عز وجل في كتابه أهل الجنة بمعاملة الخلق بالإحسان بالمال واحتمال الأذى، فقال تعالى:) وسارعوآ إلى مغفرةٍ من ربِّكم وجَنَّةٍ عرضُها السمواتُ والأرضُ أُعِدَّتْ للمتقين" الذين يُنفقون في السرَّآء والضرَّآء والكاظمين الغيظَ والعافين عن الناسِ والله يُحِبُّ المُحسنين (فالإنفاق في السراء والضراء يقتضي غاية الإحسان بالمال من الكثرة والقلة، وكظم الغيظ والعفو عن الناس يقتضي عدم المقابلة على السيئة من قول وفعل، وذلك يتضمن إلانة القول، واجتناب الفحش والإغلاظ في المقال ولو كان مباحاً، وهذا نهاية الإحسان، فلهذا قال تعالى:) والله يحبُّ المحسنين (.

ومن هذا قول بعضهم وقد سُئل عن حسن الخلق، فقال: بذل الندى وكف الأذى. وهذا الوصف المذكور في القرآن أكمل من هذا، لأنه وصفهم ببذل الندى، واحتمال الأذى. وحسن الخلق يبلغ به العبد درجات المجتهدين في العبادة، كما قال النبي): "إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم النهار، القائم الليل". ورؤي بعض السلف في المنام فسئل عن بعض إخوانه الصالحين، فقال: وأين ذلك؟! رُفع في الجنة بحُسن خلقه.

ومما يُندب إلى إلانة القول فيه: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يكون برفق كما قال تعالى في حق الكفار:) وجادِلهم بالتي هيَ أحسنُ (، قال بعض السلف: ما أغضبت أحداً فقبل منك. وكان أصحاب ابن مسعود إذا رأوا قوماً على ما يُكره يقولون لهم: مهلاً مهلاً بارك الله فيكم. ورأى بعض التابعين رجلاً واقفاً مع امرأة فقال لهما: إن الله يراكما، سترنا الله وإياكما. ودُعي الحسن إلى دعوة، فجيء بآنيةٍ فضةٍ فيها حلواء، فأخذ الحسن الحلواء فقلبها على رغيف وأكل منها، فقال بعض من حضر: هذا نهيٌ في سكون.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير