تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقوله: "حب المساكين". هذا قد يقال أنه من جملة فعل الخيرات، وأفرده بالذكر لشرفه وقوة الاهتمام به، كما أفرد أيضاً ذكر حب الله تعالى وحب من يحبه وحب عمل يبلغه إلى حبه، وذلك أصل فعل الخيرات كلها، وقد يقال أنه طلب من الله عز وجل أن يرزقه أعمال الطاعات بالجوارح وترك المنكرات بالجوارح، وأن يرزقه ما يوجب له ذلك، وهو حبه وحب من يحبه وحب عمل يبلغه حبه، فهذه المحبة بالقلب موجبة لفعل الخيرات بالجوارح ولترك المنكرات بالجوارح، وسأل الله تعالى أن يرزقه المحبة فيه. فقد تضمن هذا الدعاء سؤال حب الله عز وجل وحب أحبابه وحب الأعمال التي تقرب من حبه والحب فيه، وذلك مقتض فعل الخيرات كلها. وتضمن ترك المنكرات والسلامة من الفتن، وذلك يتضمن اجتناب الشر كله، فجمع هذا الدعاء طلب خير الدنيا، وتضمن سؤال المغفرة والرحمة، وذلك يجمع خير الآخرة كله، فجمع هذا الدعاء خير الدنيا والآخرة.

والمقصود أن حب المساكين أصل الحب في الله تعالى، لأن المساكين ليس عندهم من الدنيا ما يوجب محبتهم لأجله، فلا يحبون إلا لله عز وجل و "الحب في الله من أوثق عرى الإيمان"، و "من علامات ذوي حلاوة الإيمان"، وهو "صريح الإيمان"، وهو "أفضل الإيمان"، وهذا كله مروي عن النبي) أنه وصف به الحب في الله تعالى، وروي عن ابن عباس أنه قال: "به تنال ولاية الله، وبه يوجد طعم الإيمان".

وحب المساكين قد وصى به النبي) غير واحد من أصحابه، قال أبو ذر: أوصاني رسول الله) أن أحب المساكين، وأن أدنو منهم. خرجه الإمام أحمد، وخرج الترمذي عن عائشة أن النبي) قال لها: "يا عائشة! أحبي المساكين وقربيهم فإن الله يقربك يوم القيامة".

ويروى أن داود عليه السلام كان يجالس المساكين، ويقول: يا رب مسكين بين مساكين. ولم يزل السلف الصالح يوصون بحبح المساكين، كتب سفيان الثوري إلى بعض إخوانه: "عليك بالفقراء والمساكين والدنو منهم، فإن رسول الله) كان يسأل ربه حب المساكين".

وحب المساكين مستلزم لإخلاص العمل لله تعالى، والإخلاص هو أساس الأعمال الذي لا تثبت الأعمال إلا عليه، فإن حب المساكين يقتضي إسداء النفع إليهم بما يمكن من منافع الدين والدنيا، فإذا حصل إسداء النفع إليهم حباً لهم والإحسان إليهم كان هذا العمل خالصاً، وقد دل القرآن على ذلك، قال عز وجل:) ويُطعِمون الطعام على حُبِّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً" إنما نُطعمكم لوجهِ الله لا نريدُ منكم جزآءً ولا شُكوراً (الإنسان: 8،9،وقال عز وجل:) ولا تطرُدِ الذين يدعون ربَّهم بالغَداةِ والعَشيِّ يُريدون وجهَهُ ما عليك من حِسابِهم من شيءٍ وما مِنْ حِسَابِك عليهم مِنْ شيءٍ مع الذين يدعون ربَّهم بالغداةِ والعَشي يريدون وجهَه ولا تعدُ عيناك عنهم تريدُ زينةَ الحياة الدنيا (الكهف: 28.

قال سعد بن أبي وقاص: نزلت هذه الآية في ستة: فيّ وفي ابن مسعود وصهيب وعمار والمقداد وبلال، قالت قريش لرسول الله): إنا لا نرضى أن نكون أتباعاً لهم فاطردهم عنك. فأنزل الله عز وجل:) ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه (الآية.

[اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى]

ابن رجب

الصفحة: 15

[اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى]

ابن رجب

الصفحة: 16

وقال خباب بن الأرت في هذه الآية: جاء الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن فوجدوا رسول الله) مع صهيب وعمار وبلال وخباب قاعداً في ناس من الضعفاء من المؤمنين، فلما رأوهم حول النبي) حقروهم، فأتوه فخلوا به، وقالوا: إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف لنا به العرب فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنك، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت. قال: نعم. قالوا: فاكتب لنا عليك كتاباً. قال: فدعا بصحيفة، ودعا علياً ليكتب ونحن قعود في ناحية فنزل جبريل عليه السلام فقال:) ولا تطرد الذين يدعون ربَّهم بالغداة والعَشيِّ يُريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيءٍ وما من حسابك عليهم من شيءٍ فتطردَهم فتكون من الظالمين (ثم ذكر الأقرع بن حابس وعيينة ابن حصين فقال:) وكذلك فتنَّا بعضهم ببعضٍ ليقولوآ أهؤلاء مَنَّ الله عليهم من بيننا أليسَ الله بأعلَم بالشاكرين (النعام: 53 ثم قال:) وإذا جآءك الذين يؤمنون بآياتنا فَقُلْ سلامٌ عليكم كتبَ ربُّكم على

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير