فيلزمك الإعراض عن كل ظالم ** على الناس في نفس، ومال، وحرمة
ولا تغضبن يوما على سافك دما ** ولا سارق مالا لصاحب فاقة
ولا شاتم عرضا مصونا، وإن علا ** ولا ناكح فرجا على وجه غية
ولا قاطع للناس نهج سبيلهم ** ولا مفسد في الأرض في كل وجهة
ولا شاهد بالزور إفكا وفرية ** ولا قاذف للمحصنات بزنية
ولا مهلك للحرث والنسل عامدا ** ولا حاكم للعالمين برشوة
وكف لسان اللوم عن كل مفسد ** ولا تأخذن ذا جرمة بعقوبة
وسهل سبيل الكاذبين تعمدا ** على ربهم، من كل جاء بفرية
وإن قصدوا إضلال من يستجيبهم ** بروم فساد النوع، ثم الرياسة
وجادل عن الملعون، فرعون، إذ طغى ** فأغرق في اليم انتقاما بغضبة
وكل كفور مشرك بإلهه ** وآخر طاغ كافر بنبوة
كعاد، ونمروذ، وقوم لصالح ** وقوم لنوح، ثم أصحاب الأيكة
وخاصم لموسى، ثم سائر من أتى ** من الأنبياء محييا للشريعة
على كونهم قد جاهدوا الناس إذ بغوا ** ونالوا من المعاصي بليغ العقوبة
وإلا فكل الخلق في كل لفظة ** ولحظة عين، أو تحرك شعرة
وبطشة كف، أو تخطي قديمة ** وكل حراك، بل وكل سكينة
همو تحت أقدار الإله وحكمه ** كما أنت فيما قد أتيت بحجة
وهبك رفعت اللوم عن كل فاعل ** فعال ردى، طردا لهذي المقيسة
فهل يمكن رفع الملام جميعه ** عن الناس طرا عند كل قبيحة؟
وترك عقوبات الذين قد اعتدوا ** وترك الورى الإنصاف بين الرعية
فلا تضمنن نفس ومال بمثله ** ولا يعقبن عاد بمثل الجريمة
وهل في عقول الناس، أو في طباعهم ** قبول لقول النذل: ما وجه حيلتي؟
ويكفيك نقضا: ما بجسم ابن آدم ** صبي، ومجنون، وكل بهيمة:
من الألم المقضي في غير حيلة ** وفيما يشاء الله أكمل حكمة
إذا كان في هذا له حكمة، فما ** يظن بخلق الفعل، ثم العقوبة؟
وكيف، ومن هذا عذاب مولد ** عن الفعل، فعل العبد عند الطبيعة؟
كآكل سم، أوجب الموت أكله ** وكل بتقدير لرب البرية
فكفرك يا هذا؛ كسم أكلته ** وتعذيب نار. مثل جرعة غصة
ألست ترى في هذه الدار من جنى ** يعاقب. إما بالقضا. أو بشرعة؟
ولا عذر للجاني بتقدير خالق ** كذلك في الأخرى بلا مثنوية
وتقدير رب الخلق للذنب موجب ** لتقدير عقبى الذنب إلا بتوبة
وما كان من جنس المتاب لرفعه ** عواقب أفعال العباد الخبيثة
كخير به تمحى الذنوب. ودعوة ** تجاب من الجاني. ورب شفاعة
وقول حليف الشر: إني مقدر ** علي. كقول الذئب: هذي طبيعتي
وتقديره للفعل يجلب نقمة ** كتقديره الأشياء طرا بعلة
فهل ينفعن عذر الملوم. بأنه ** كذا طبعه. أم هل يقال لعثرة؟
أم الذم والتعذيب أوكد للذي طبيعته ** فعل الشرور الشنيعة؟
فإن كنت ترجو أن تجاب بما عسى ** ينجيك من نار الإله العظيمة
فدونك رب الخلق، فاقصده ضارعا ** مريدا لأن يهديك نحو الحقيقة
وذلل قياد النفس للحق، واسمعن ** ولا تعرضن عن فكرة مستقيمة
وما بان من حق فلا تتركنه ** ولا تعص من يدعو لأقوم شرعة
ودع دين ذا العادات، لا تتبعنه ** وعج عن سبيل الأمة الغضبية
ومن ضل عن حق فلا تقفونه ** وزن ما عليه الناس بالمعدلية
هنالك تبدو طالعات من الهدى ** تبشر من قد جاء بالحنيفية
بملة إبراهيم. ذاك إمامنا ** ودين رسول الله خير البرية
فلا يقبل الرحمن دينا سوى الذي ** به جاءت الرسل الكرام السجية
وقد جاء هذا الحاشر الخاتم الذي ** حوى كل خير في عموم الرسالة
وأخبر عن رب العباد بأن من ** غدا عنه في الأخرى بأقبح خيبة
فهذي دلالات العباد لحائر ** وأما هداه فهو فعل الربوبية
وفقد الهدى عند الورى لا يفيد من ** غدا عنه، بل يجري بلا وجه حجة
وحجة محتج بتقدير ربه ** تزيد عذابا، كاحتجاج مريضة
وأما رضانا بالقضاء فإنما ** أمرنا بأن نرضى بمثل المصيبة
كسقم، وفقر، ثم ذل، وغربة ** وما كان من مؤذ، بدون جريمة
فأما الأفاعيل التي كرهت لنا ** فلا ترتضى، مسخوطة لمشيئة
وقد قال قوم من أولي العلم: لا رضا ** بفعل المعاصي والذنوب الكبيرة
وقال فريق: نرتضي بقضائه ** ولا نرتضي المقضي أقبح خصلة
وقال فريق نرتضي بإضافة ** إليه. وما فينا فنلقي بسخطة
كما أنها للرب خلق، وأنها ** لمخلوقه، ليست كفعل الغريزة
فنرضى من الوجه الذي هو خلقه ** ونسخط من وجه اكتساب الخطيئة
ومعصية العبد المكلف تركه ** لما أمر المولى، وإن بمشيئة
فإن إله الخلق حق مقاله ** بأن العباد في جحيم وجنة
كما أنهم في هذه الدار هكذا ** بل البهم في الآلام أيضا ونعمة
وحكمته العليا اقتضت ما اقتضت ** من الفروق بعلم ثم أيد ورحمة
يسوق أولي التعذيب بالسبب الذي ** يقدره نحو العذاب بعزة
ويهدي أولي التنعيم نحو نعيمهم ** بأعمال صدق، في رجاء وخشية
وأمر إله الخلق بين ما به ** يسوق أولي التنعيم نحو السعادة
فمن كان من أهل السعادة أثرت ** أوامره فيه بتيسير صنعة
ومن كان من أهل الشقاوة لم ينل ** بأمر ولا نهي بتقدير شقوة
ولا مخرج للعبد عما به قضي ** ولكنه مختار حسن وسوأة
فليس بمجبور عديم الإرادة ** ولكنه شاء بخلق الإرادة
ومن أعجب الأشياء: خلق مشيئة ** بها صار مختار الهدى بالضلالة
فقولك: هل اختار تركا لحكمة؟ ** كقولك: هل اختار ترك المشيئة؟
وأختار أن لا اختار فعل ضلالة ** ولو نلت هذا الترك فزت بتوبة
وذا ممكن، لكنه متوقف ** على ما يشاء الله من ذي المشيئة
فدونك فافهم ما به قد أجبت من ** معان إذا انحلت بفهم غريزة
أشارت إلى أصل يشير إلى الهدى ** ولله رب الخلق أكمل مدحة
وصلى إله الخلق جل جلاله ** على المصطفى المختار خير البرية
للأمانة العلمية فإنه منقول من موقع سحاب وقد كتبه الأخ الفاضل:يوسف الشمري