ثانيا: استدلاله على حضوره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الموالد بقياس فاسد بقول: (أنا جليس من ذكرني)، وزعم أنه حديث قدسي جهلا منه، والصحيح أنه من قول كعب الأحبار عن نبي الله موسى عليه السلام كما في مصنف ابن أبي شيبة (1/ 108) وغيره. واستدل بحديث الصحيحين (أنا مع من ذكرني).
وهذا القياس الفاسد قياس المخلوق وهو محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الخالق وهو الله عزوجل، فالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هو من أخبرنا بمعية الله عزوجل للذاكر له سبحانه وهي خاصية إلهية لا يشاركه فيها أحد من خلقه، أشرك المالكي معه فيها نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وهذه قضية توضح مدى الغلو الذي وصل إليه مشايخ المولد، حيث أعطى المالكي حق إلهي وهو معية الله عزوجل لذاكره، للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بزعم المالكي متخلق بأخلاق ربه. ولو استصحبنا هذا القياس الفاسد من المالكي الهالك لأنتهينا إلى جعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صورة أخرى عن الله عزوجل، وهو ما أثبتناه عن المتصوفة في حق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
http://www.alsoufia.com/vb/showthread.php?t=339
الوقفة الخامسة:
ثم استدل المالكي لعقيدة حضور روحه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مجالسهم وموالدهم، بدليل نقله خطأ أو عن عمد في كتابه الذخائر المحمدية (ص 259) فقال: (والدليل على ذلك قوله في الحديث الصحيح: (نسمة المؤمن على طائر تسبح حيث تشاء)، وعزاه لمالك.
قلت: استدلال فيه تدليس وتضليل لعوام المسلمين المتعلقين به والذي لم يحسن نقل الحديث فَضَلّ وأَضَلّ، ونصه الصحيح كما في الموطأ (الجنائز ح 566 من حديث كعب بن مالك) ونصه: (إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه).
ثم قال المالكي (ص259) بعد نقله الخاطيء للحديث: (و روحه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أكمل الأرواح فهي لذلك أكمل في الحضور والشهود).
قلت: استدلالات مشايخ الصوفية وقياستهم لعقائدة الفاسدة تدل على فساد عقولهم وتصوراتهم، والمالكي هنا يثبت ذلك، ففي السابق قاس المخلوق على الخالق، وهنا قاس النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الفاضل على المؤمن المفضول، عندما ذكر الحديث خطأ مستدلا بسباحة نسمة المؤمن حيث شاءت، والنص الصحيح للحديث ينسف عقيدة المالكي الفاسدة.
الوقفة السادسة:
ثم استدل المالكي لعقيدته الباطلة كما قال في الذخائر (ص 260): "وجاء في الحديث: (أنه إذا سلم عليه المسلم يرد الله عليه روحه فيرد السلام)، وهذا يدل على أمرين:
الأول: أن روحه منطلقة في ملكوت الله).
قلت: وعلى فرض أن روحه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - منطلقة في ملكوت الله لايعني أنها تحضر مجالس الذكر، لأنه أمر غيبي وقد أخبرنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن الذي يحضر مجالس الذكر والعلم هم الملائكة فقط، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعا: (إن لله ملائكة سيارة يتبعون مجالس الذكر) ولم يخبرنا عن روحه، وعلى الرغم أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أخبرنا أن الله يعيدها لجسده لمن يسلم عليه، وهذ للواقف على قبره ?، فكيف يخبر عن أمر ويسكت عن آخر، وكما أخبرنا عن ملائكة سياحين يبلغونه عن أمته السلام فعن ابن مسعود مرفوعا: (إن لله تعالى ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام) صححه الألباني (ح 2174 صحيح الجامع)، فلماذا سكت عن روحه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
فهذا شأن مشايخ المولد في الإستدلال لباطلهم.
فائدة
سبق وأن ذكرنا في المشاركة السابقة كلام الشيخ عبدالحي اللكنوي (ت 1304هـ) من كبار علماء الحنفية وإثباته هذه العقيدة الفاسدة، ونذكر فائدة أخرى حول الموضوع نفسه:
قال صاحب كتاب موالد مصر المحروسة (ص 88): "ويسود الإعتقاد بأن أضرحة الأقطاب تحظى بزيارات الرسول مما يسهم في فعالية أبطال الدلتا وتفيض البركات، فالولي الذي حظي بالإتيار الإلهي قد حظي أيضا برضاء رسوله، إذ هو جدير بالكرامات والتوجه إليهم بطلب الشفاعة".
¥