الأول: (عن عبد الله بن جبير الخزاعي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كان يمشي في أناس من أصحابه فستر بثوب فلما رأى ظله رفع رأسه فإذا هو بملأ قد ستر بها فقال له مه وأخذ الثوب فوضعه فقال انما أنا بشر مثلكم).
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 21): "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح".
قلت: وليس كما قال والخزاعي ليس من رجال الصحيح، فقد قال الحافظ في الإصابة (3/ 129): "تابعي أرسل حديثا فذكره أبو نعيم وأبو عمر في الصحابة قال أبو نعيم مختلف في صحبته وقال أبو عمر قيل أن حديثه مرسل وقال أبو حاتم الرازي شيخ مجهول".
الثاني: (عن عائشة قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في سفر ونحن معه فاعتل بعير لصفية وكان مع زينب فضل ظهر، فقال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إن بعير صفية قد اعتل فلو أعطيتها بعيرا لك! فقالت: أنا أعطي هذه اليهودية فغضب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهجرها بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وأياما من شهر ربيع الأول حتى رفعت متاعها وسريرها فظنت أنه لا حاجة له فيها فبينما هي ذات يوم قاعدة بنصف النهار ورأت ظله قد أقبل فأعادت سريرها ومتاعها).
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 323): "رواه أبو داود باختصار رواه الطبراني في الأوسط وفيه سمية روى لها أبو داود وغيره ولم يجرحها أحد وبقية رجاله ثقات".
قلت: كم يثبت مشايخ الصوفية والمولد أن زادهم العلمي هو الخرافة والأحاديث الواهية، فالأحاديث التي تثبت الظل لرسول الله وإن كانت ضعيفة إلا أنها تتقوى ببعضها، وأيضا هي من ناحية الإستدلال أقوى من الأثار التي تنفي الظل وأخذبها مشايخ المولد والمتصوفة، وسبب أخذهم بها هو تقرير لعقيدتهم في كون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خلق من نور.
عقيدة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سِرٌّ لا يعلمه أحد
وهذا من ترهات مشايخ المولد والصوفية، وهذه العقيدة الباطلة أقرها بعين الرضا النبهاني عن عدد من مصنفي الموالد، وأي سر في هذا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فهو لم يكن غامضا في أي شيء من أمور حياته الخاصة والعامة، ولم يكتم أي شيء عن أصحابه، فقدر عرفت حياته الخاصة وغشيانه لأهله ومشاكله معهم، وأخبر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صاحبه الحارث بن هشام - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن كيفية إتيان الوحي إليه وأنواعه كما في الصحيحين، وأجاب أبا ذر عن سؤاله رؤية ربه عزوجل بأنه رأى نورا كما في مسلم (الإيمان ح 178).
لكن لما كان مشايخ المولد باطنية كالمتصوفة، وفي طقوسهم شيء من السرية كما قال صاحب المعجم الصوفي (ص 123): "أسرار الصوفية بكر لا يفتضها وَهْمُ واهم"، بنوا عقيدتهم هذه على حديث باطل موضوع لما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لأبي بكر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: (والذي بعثني بالحق لم يعلمني حقيقة غير ربي) ذكر الحديث النبهاني في كتابه حجة الله على العالمين (50) بدون مخرج، وبعد بحث مضني لم أستطع الوقف عليه في كتب الحديث.
ويقرر هذه العقيدة الفاسدة الشيخ علي ملا القاري بكلام عجيب فقال: "بعض الصوفية أكثر الناس عرفوا الله عزوجل وما عرفوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لأن حجاب البشرية غطى أبصارهم". انظر شرحه للشمائل (1/ 9).
وممن ذكر هذه العقيدة الفاسدة من مشايخ المولد:
• محمد المغربي الذي قال: "كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هو السر المكنون والحرز المصون، …. وقال أيضا: …ولذلك كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هو السر الذي لا يصح إفشاؤه بالتصريح ولا يمكن إفهامه بالكتابة والتلويح". انظر جواهر البحار للنبهاني (3/ 341 نقلا عن مولده).
• ابن عابدين في شرحه لمولد ابن حجر الهيتمي قال: "قال بعض العارفين كما في أوائل شرح الشفا لعلي القاري: (الخلق ماعرفوا الله تعالى وما عرفوا محمدا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) ". انظر المصدر السابق (3/ 372).
• النبهاني صاحب المولد الشهير ذكر بيتين من الشعر:
وأجمل منك لم تر قط عيني * وأكمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرأ من كل عيب * كأنك قد خلقت كما تشاء
قال النبهاني معقبا: "وهذا من قبيل صورته الظاهرة، وأما حقيقته فلا يعلمها إلا الله تعالى كما قال لسيدنا أبي بكر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: "والذي بعثني بالحق لم يعلمني حقيقة غير ربي". انظر كتابه حجة الله على العالمين (ص 50).
• الموالد الحجازية
يقول الناظم في أحد الإحتفالات المسجلة وهي عندي بصوت بعضهم:
قل لمن يسأل الحقيقة لا ينفك منه عن أحمد استفتاء
هو سر بعلمه استأثر الله وحارت في شأنه العقلاء
ثم لسنا ندري حقيقة هذا العبد لكن من نوره الأشياء
وفيه تقرير لعقيدة أن نوره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أصل الكائنات.
• قصة الإسراء والمعراج
يقرر مشايخ المولد هذه العقيدة حتى في احتفالهم بليلة الإسراء والمعراج فينقل لنا النبهاني عن البرزنجي في هذه القصة والتي تنشد في الحجاز، لما كان جبريل يستفتح أبواب السموات للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ويجيب سؤال ملائكة كل سماء عمن معه، فقال البرزنجي مرة عند السماء الثانية: "درة الكنز المخفية"، وقال وأجاب عند السماء الخامسة بقوله: "سر الأسرار الملكوتية". انظر جواهر البحار للنبهاني (3/ 485).
تبع إن شاء الله
¥