تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الجواب: لا شك أنها من معين واحد وأن لكل منها فائدته ولكن المسألة التي يغفل عنها كثيرون هي ان الفيزياء والكيمياء والهندسة وما شابهها لا تتعامل مع مستوى القيم والمعتقدات والسلوك وإنما تتعامل مع العلم المادي المستقل عن النفس البشرية بل حتى الطب البشري نفسه على قربه من النفس فإنه لا يتعامل مع معتقدات النفس وقيمها وسلوكها وإنما يتعامل مع الأعضاء والعمليات الجراحية والأدوية الحسية المادية والتي هي مباحة بنصوص الشرع أم البرمجة فإنها تتعامل مع القيم الباطنية والمعتقدات التي تتحكم في سلوك النفس البشرية إذاً هي تتعامل مع ذلك المستوى المنطقى العلوي الذي تباشره الشريعة متمثلة في القرآن الكريم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم. ولكن بعض مدربي البرمجة يرد على هذا الإشكال فيقول:"صحيح أن كلاهما يتعاملان مع مستوى القيم والمعتقدات والسلوك ولكن البرمجة ما هي إلا وسيلة أو سبب من الأسباب لا غاية من الغايات وبما أنها كذلك فقد أمرتنا الشريعة بالأخذ بالأسباب كما يأخذ المريض الدواء ليشفى وهكذا؟ " ولكن هنا إشكال آخر وهوتشبيه البرمجة بالأسباب الحسية كالدواء والحركة والأخذ والعطاء وغير ذلك وهذا مستوى منطقي مختلف لأن البرمجة كما ذكرت لكم تباشر قيم المرء ومعتقداته وتصوراته المجردة عن الحياة ليقوم نتيجة ذلك ببلورتها على نحو حسي سلوكي. ولذلك فإن أخذ الدواء الحسي (البنادول مثلاً) لا يمكن أن يتقبله الشخص إذا كان عنده "اعتقاد" سلبي عن هذا الدواء فالبرمجة تتعامل مع هذا الإعتقاد السلبي لتزيله لكي يأخذ الإنسان بدوره هذا العلاج، أرأيتم الفرق واختلاف المستويات؟ وقس على ذلك أموراً كثيرة في الحياة. فالخوف كل الخوف والمحذور كل المحذورأن تصبح البرمجة بتقنياتها ومفاهيمها توجهاً مسيطراً على حياة الفرد المسلم فيقل الإيمان والعمل بقوله تعالى:"هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين" وإذا حصل ذلك وكل الله الإنسان إلى نفسه. واعظم خطرا من ذلك أن يتعاطى الإنسان البرمجة ثم يجعلها البوصلة التي تسيره في الحياة وأخطر منه أيضا أن يغتر الإنسان بنفسه ويظن أن لا ملجأ ولا منجا من البرمجة إلا إليها، قال تعالى:"إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى" ولذلك فشعور الإستغناء عن تسديد الله وهدايته وتوفيقه وعدم التوكل عليه والإعتراف بالضعف قد يكون استدراجا للعبد من حيث لا يعلم.

والمقصود هنا أيها الأفاضل ليس إلغاء البرمجة من قاموس الوجود أو حتى الدعوة إلى حظرها مخالفا بذلك القاعدة التي وضعتها في أول المقال بشأن العلوم الدنيوية ولكن المقصود تعاطيها بحكمة وتمحيص ولو سأل المرء ربه خيرها وتعوذ من شرها و سأله أن يجعلها معينة له على فعل الخير واجتناب الشر لكان حسناً. أعطيكم مثالاً يبين تعامل كل من البرمجة والشريعة مع نفس المستوى المنطقي للنفس وهو حالة الحسد التي تعتري الإنسان. هناك وسيلة برمجية مثل مساعدة الشخص على الإنفصال عن الذات ومعالجة المعتقدات السلبية ولكن الشريعة أيضاً وضعت دعاء الله تعالى وسؤال العافية وقول:"ما شاء الله لا قوة إلا بالله". فالمحذور مثلا أن يصبح ديدن الإنسان بعد تعلم البرمجة اللجوء المستمر إلى "نفسه" لتحقيق الإنفصال إلى موقع المراقب ومحاسبة النفس وتقويمها ذاتياً والإهمال التدريجي في التعبد لله بانتهاج النهج الشرعي وذلك أن النهج الشرعي ليس وسيلة أو سبب مجرد وعادي كوسيلة البرمجة وإنما هو تشريع نتعبد الله به ونتقرب به إلى الله أما تقنية مواقع الإدراك (أو المساندة على خط الزمن) فإنما هي وسيلة عادية قد تتحول إلى طاعة إذا نوى بها الإنسان تحقيق مرضاة الله. وقس على ذلك مسائل مماثلة (وليس مشابهة!).

ومن هنا يتبين كيف أن البرمجة يمكن أن تصبح منهج حياة موازي للشريعة الإسلامية وهو احتمال لا يبنغي أبداُ اهماله أو التغاضي عنه.

ما هو الحل إذاً؟

والجواب: يمكن الجمع بين الإثنين وذلك بإدراج البرمجة في مستوى منطقي دون المستوى المنطقي الذي تحتله الشريعة فتكون الشريعة مسيطرة في هذه الحالة على البرمجة التي هي في مستوى منطقي دون الشريعة وبذلك تحتل الشريعة أعلى مستوى منطقي يتحكم في طبيعة النفس البشرية ومكوناتها بما فيها البرمجة. ومن ثم تكون البرمجة بتقنياهتا المباحة خادمة مذللة للدين عاملة تحت سلطانه لا نداَ ونظيراَ للدين تتنافس معه ولا سلطاناً مسيطراً عليه فتستعمل الدين تارة وتنحيه وتبعده تارة أخرى.

وبناء عليه أجيب على التساؤل الأصلي الذي هو عنوان هذا المقال:" البرمجة اللغوية العصبية: منهج حياة أم علم كسائر العلوم؟

والجواب: البرمجة منهج حياة باعتبار مباشرتها لقيم ومعتقدات الإنسان وباعتبار انفصالها عن الشريعة وعملها باستقلال موازي أو معتلٍ للشريعة ولكنها علم كسائر العلوم باعتبار الوسائل والتقنيات والأدوات التي تسخرها وتذللها في سبيل التعامل مع هذه المعتقدات والقيم. ولكن بما أننا قد وضعنا البرمجة في مكانها المناسب بحيث لا توازي الشريعة ولا تعلو عليها وإنما تحتل (أي البرمجة) المستوى المنطقى الذي تسيطر وتشرف عليه الشريعة، أقول بما أننا صنعنا ذلك فإن البرمجة تصبح بأجمعها حينئذ مجرد وسيلة من الوسائل التي تخدم منهج الحياة الكامل الذي هو الشريعة الكاملة فلا تتقدم (أي البرمجة) حينئذ بين يدي الدين ولا تفرض نفسها عليه.

منقول

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير