تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

2 - أخرج ابن سعد في طبقاته عن الواقدي عن محمد بن عبد الله بن أخي الزهري عن أبيه قال كانت تحلب في مسعط أو إناء قدر رضعته فيشربه سالم في كل يوم حتى مضت خمسة أيام فكان بعد يدخل عليها وهي حاسر رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لسهلة. فإن قيل: إن الواقدي مجروح فالرواية ضعيفة، قلنا إن هذا الخبر تدعمه أصول الشرع من القرآن والسنة وهي النصوص الملزمة لستر المرأة بدنها عن الأجانب، وتحريم لمسها ومصافحتها ونحو ذلك، ثم إنه لم يرد ما يعارضه أي لم يرد خبر أقوى منه ولا مثله ولا حتى أضعف منه يثبت أن سالما رضع من ثدي سهلة مباشرة، فقط ما يعتمدون عليه في ذلك هو المعنى اللغوي للرضاع والمُعَوَّل عليه شرعا هو الاصطلاح الشرعي أو الحقيقة الشرعية.

3 - إن مفهوم الرضاعة شرعا يطلق على وصول اللبن إلى معدة الطفل وأما شكل هذا الوصول فليس له مظهر شرعي يجب مراعاته واعتباره، يعني المُعَوَّل عليه هو وصول اللبن معدة الرضيع.

ولذلك ناقش الفقهاء حكم اللبن إذا خلط بشيء آخر مشروبا كان أو مأكولا هل يحرم أم لا؟ فجمهور الفقهاء على التحريم إذن فليس بشرط أن يكون التحريم منوطا بالتقام الثدي لأن الخلط لا يتصور إلا خارج الثدي؟

وهذا ما فهمه العلماء في قصة إرضاع سالم. قال القاضي عياض: ولعل سهلة حلبت لبنها فشربه من غير أن يمس ثديها، ولا التقت بشرتاهما، إذ لا يجوز رؤية الثدي، ولا مسه ببعض الأعضاء.

وقال ابن عبد البر: صفة رضاع الكبير أن يحلب له اللبن ويسقاه، فأما أن تلقمه المرأة ثديها، فلا ينبغي عند أحد من العلماء. وما ارتأى علماؤنا ذلك إلا انسجاما مع أصول الشريعة.

وأما ما ذهب إليه ابن حزم من جواز مس الأجنبي ثدي الأجنبية، وإلتقام ثديها، إذا أراد أن يرتضع منها مطلقا استدلالا بقصة سالم فهو رأي شاذ منبثق من الخصوصية الظاهرية لمذهب ابن حزم التي كثيرا ما تتعارض مع مقاصد الشريعة واجتهاد جمهور العلماء، وهو هنا اعتمد على ما ظنه حقيقة لغوية في معنى الرضاع فشرط أن يكون بالتقام الثدي، لكن الحقائق اللغوية تطيش أمام الحقائق الشرعية، وقد أضحى معلوما لكل من له صلة بالدراسات الإسلامية أن الحقيقة الشرعية مقدمة على اللغوية لأنها اصطلاح كما مر التنويه عن ذلك عما قريب. وعليه فلست على ابن حزم بجانٍ حيث حكمت عليه بأن التكلف قد بلغ به مداه حين قال (في المحلى10/ 23): وقال بعض من لا يخاف الله تعالى فيما يطلق به لسانه: كيف يحل للكبير أن يرضع ثدى امرأة أجنبية؟ ثم أجاب بقوله: هذا اعتراض مجرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمر بذلك أ. هـ فهذا تكلف من ابن حزم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرشد إلى إرضاع ولم يأمر بأن يكون ذلك بمباشرة الثدي فأين الاعتراض إذن إلا ما كان في ذهن ابن حزم من تصور الإرضاع وأنه لا يكون إلا بالمباشرة؟

ومن ثم كان ابن قتيبة أكثر احتراسا ووعيا بمقصود الشارع وإدراكا لما عليه مجتمع الصحابة من صبغة دينية وإباء عربي حين قال: قال – صلى الله عليه وسلم - لها: " أرضعيه " ولم يرد ضعي ثديك في فيه كما يفعل بالأطفال، ولكن أراد احلبي له من لبنك شيئا ثم ادفعيه إليه ليشربه ... لأنه لا يحل لسالم أن ينظر إلى ثدييها إلى أن يقع الرضاع، فكيف يبيح له ما لا يحل له وما لا يؤمن معه من الشهوة؟!!!!!

4 - أيضا القول بأن سالما قد ارتضع ثديها مباشرة لا يساعده ما جاء في الرواية نفسها من امتعاض أبي حذيفة من دخول سالم بيته فقد قالت سهلة: " يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرَى فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ وَهُوَ حَلِيفُهُ " فكيف يمتعض لمجرد دخوله البيت ثم هو يرضى أن يكشف عن عورتها؟ فإن قيل: كان هذا لازما لحصول الإرضاع الذي يسوغ معه لسالم أن يدخل البيت دون حرج قلنا: إن حصول الإرضاع لا يتوقف على مباشرة الثدي بل على حصول اللبن في المعدة بأي وسيلة سوى التقام الثدي، لأنها عليه حرام قبل أن يحصل الرضاع بالفعل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير