فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ r إلَى هِرَقْلَ آيَةً وَاحِدَةً. قِيلَ لَهُمْ: وَلَمْ يَمْنَعْ r مِنْ غَيْرِهَا وَأَنْتُمْ أَهْلُ قِيَاسٍ فَإِنْ لَمْ تَقِيسُوا عَلَى الآيَةِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهَا فَلاَ تَقِيسُوا عَلَى هَذِهِ الآيَةِ غَيْرَهَا.
فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ? فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لاَ يَمَسُّهُ إلاَّ الْمُطَهَّرُونَ فَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لاَِنَّهُ لَيْسَ أَمْرًا وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ. وَاَللَّهُ تَعَالَى لاَ يَقُولُ إلاَّ حَقًّا. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ لَفْظُ الْخَبَرِ إلَى مَعْنَى الأَمْرِ إلاَّ بِنَصٍّ جَلِيٍّ أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ. فَلَمَّا رَأَيْنَا الْمُصْحَفَ يَمَسُّهُ الطَّاهِرُ وَغَيْرُ الطَّاهِرِ عَلِمْنَا أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَعْنِ الْمُصْحَفَ وَإِنَّمَا عَنَى كِتَابًا آخَرَ. كَمَا أَخْبَرَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيِّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ? لاَ يَمَسُّهُ إلاَّ الْمُطَهَّرُونَ قَالَ: الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ
حدثنا حمام بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حدثنا يَحْيَى بْنُ الْعَلاَءِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: أَتَيْنَا سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ فَخَرَجَ عَلَيْنَا مِنْ كَنِيفٍ لَهُ.
فَقُلْنَا لَهُ: لَوْ تَوَضَّأْتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ قَرَأْتَ عَلَيْنَا سُورَةَ كَذَا فَقَالَ سَلْمَانُ: إنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لاَ يَمَسُّهُ إلاَّ الْمُطَهَّرُونَ وَهُوَ الذِّكْرُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ لاَ يَمَسُّهُ إلاَّ الْمَلاَئِكَةُ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا شُعْبَةُ، حدثنا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ: إنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ مُصْحَفًا أَمَرَ نَصْرَانِيًّا فَنَسَخَهُ لَهُ.
وقال أبو حنيفة: لاَ بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَ الْجُنُبُ الْمُصْحَفَ بِعِلاَقَتِهِ، وَلاَ يَحْمِلُهُ بِغَيْرِ عِلاَقَةٍ. وَغَيْرُ الْمُتَوَضِّئِ عِنْدَهُمْ كَذَلِكَ.
وقال مالك: لاَ يَحْمِلُ الْجُنُبُ، وَلاَ غَيْرُ الْمُتَوَضِّئِ الْمُصْحَفَ لاَ بِعِلاَقَةٍ، وَلاَ عَلَى وِسَادَةٍ. فَإِنْ كَانَ فِي خُرْجٍ أَوْ تَابُوتٍ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَهُ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ وَالْجُنُبُ وَغَيْرُ الطَّاهِرِ.
قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ تَفَارِيقُ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ لاَ صَحِيحَةٍ، وَلاَ سَقِيمَةٍ، وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ. وَلَئِنْ كَانَ الْخُرْجُ حَاجِزًا بَيْنَ الْحَامِلِ وَبَيْنَ الْقُرْآنِ فَإِنَّ اللَّوْحَ وَظَهْرَ الْوَرَقَةِ حَاجِزٌ أَيْضًا بَيْنَ الْمَاسِّ وَبَيْنَ الْقُرْآنِ، وَلاَ فَرْقَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.}}.
وبهذا قال الإمام الألباني رحمه الله تعالى.
ـ[أبو الزهراء الشافعي]ــــــــ[14 - 04 - 05, 12:48 م]ـ
وفي ((تمام المنة)) للعلامة الألباني (107):
{{ومن (ما يجب له الوضوء) قلت: ذكر فيه حديث: ((لا يمس القرآن إلا طاهر)) من طريقين، ثم قال:
((فالحديث يدل على أنه لا يجوز مس المصحف إلا لمن كان طاهراً، ولكن الطاهر لفظ مشترك يطلق على الطاهر من الحدث الأكبر، والطاهر من الحدث الأصغر، ويطلق على المؤمن، وعلى من ليس على بدنه نجاسة، ولا بد لحمله على معين من قرينة، فلا يكون الحديث نصا في منع المحدث حدثا أصغر من مس المصحف)).
قلت: هذا الكلام اختصره المؤلف من كلام الشوكاني على الحديث في ((نيل الأوطار)) (1/ 180 - 181)، وهو كلام مستقيم لا غبار عليه، إلا قوله في آخره: ((فلا يكون الحديث نصاً في منع المحدث حدثاً أصغر من مس المصحف)) فإنه من كلام المؤلف، ومفهومه أن الحديث نص في منع المحدث حدثاً أكبر من مس المصحف، وهو على هذا غير منسجم مع سياق كلامه، لأنه قال فيه: ((ولا بد لحمله على معين من قرينة))، فها هو قد حمله على المحدث حدثاً أكبر، فأين القرينة؟!.
فالأقرب - والله أعلم - أن المراد بالطاهر في هذا الحديث هو المؤمن، سواء أكان محدثا حدثاً أكبر أو أصغر أو حائضا أو على بدنه نجاسة، لقوله عليه السلام: ((المؤمن لا ينجس))، وهو متفق على صحته، والمراد عدم تمكين المشرك من مسه، فهو كحديث: ((نهى عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو))، متفق عليه أيضاً، وقد بسط القول في هذه المسألة الشوكاني قي كتابه السابق، فراجعه إن شئت زيادة التحقيق ثم إن الحديث قد خرجته من طرق في ((إرواء الغليل)) (122)، فليراجعه من شاء.}}.
والله أعلم.
¥