هذه مسألة مهمة في هذا الأمر، فمن شدّد فيها من أهل العلم قوله يخالف الأصول التي ذكرتُ لك من السنة ومن القواعد ومن فهم معنى النياحة عند أهل الجاهلية.
والذي رأيناه من علمائنا في هذا البلد وفي غيره حتى علماء الدعوة من قبل أنهم كانوا يجلسون؛ لأنه لا تكون المصلحة إلا بذلك، إذا فات ذلك فاتت التعزية سنة التعزية لا يسوغ أن تفوت.
في الرياض مثلا -في المدن الكبار- كيف ستجد من تعزيه؟ لن تجده ستفوت التعزية سنة التعزية ستفوت لأجل أن لا يحصل الجلوس.
الجلوس في نفسه مختلَفٌ فيه، ثم من قال بأن الجلوس لا يشرع؛ يعني التعبد بالجلوس وهو أن يكون الجلوس سنة، يقول أجلس مع أن البلد صغير البلد مكانين ثلاثة، يجلس لأنه يخشى أن يكون جلوسه وسيلة للنياحة.
فإذن هذه المسألة مهمة وهي راجعة إلى: هل الجلوس له صفة النياحة صفة أهل الجاهلية أم لا؟ كيف تكون له صفة أهل الجاهلية؟ إذا كان الجلوس واضح فيه نَوْح، واضح فيه تفاخر، واضح فيه [كثرة] مثل ما يفعل فيه بعض القبائل أو بعض البادية ونحو ذلك ليس جلوس للعزاء، وإنما هو جلوس لإظهار الفخر والخيلاء بكثرة أن يقدم للتعزية بوفاة هذا الميت.
أما الجلوس بمجرده -يعني دون نياحة- فلا بأس به.
فإذن النياحة التي جاءت في السنة التي قالها الصحابة هي ما يجمع أمرين -هي التي كان عليها أهل الجاهلية- فيجتمعون يتفاخرون بكثرة الجمع ثم يصنع أهل الميت الطعام، كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من النياحة، اجتمع الناس وصنعوا الطعام فصار نياحة؛ لأنه المقصود منه إظهار الفخر والنَّوح على فَقْد هذا الرجل.
... في أي محل، المقصود يعرفونه الناس؛ لكن ما يكون في المقبرة لأن المقبرة ليست مكان للتعزية، ليست مكان للجلوس.
... إذا كان أهل البيت لا بأس، لا يكون المعزين يجتمعون عشرين ثلاثين، خمسين، صار تفاخر بالكثرة إذا كان أهل البيت، ما جرت به العادة فلا بأس.
... الإعلان في الجرائد هذا يسمى نعي، ليس نياحة، النياحة غير النعي، النعي مكروه كراهة شديدة، وبعض العلماء حرمه؛ لكن النعي المحرم هو التفاخر يعني ذكر محاسن الميت على وجه التفاخر قبل دفنه أو بعد دفنه.
لكن من أعلم الناس بموت الميت للصلاة عليه دون ذكر أمجاده أو ذكر فضائله أو نحو ذلك فهذا ليس نعيا منهيا عنه ويدل على ذلك ما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلمنعى إلى الصحابة النجاشيَّ في اليوم الذي مات فيه، وقال «صلوا على أخيكم أصحمة فإنه قد مات» فصلى بهم وكبر عليه أربعا يعني صلاة الغائب، فالصحابي عبّر بأنه نعى، نعى يعني أخبر بموته تأسفا، فإذا كان النعي وهو الإخبار بالموت تأسفا لأجل الصلاة عليه فلا بأس إخبار من يصلي عليه، أما التفاخر أو لأجل الاجتماع للعزاء ونحو ذلك، والعزاء في بيت فلان فهذا من النعي المنهي عنه.
?????
[من شرح الطحاوية الدرس 42]
س2/ لا يخفى عليكم ما يحصل من مخالفات في التعزية في هذا الزمن، وأقلها اجتماع أهل الميت القريبين والبعيدين في بيت أحدهم أو في بيت الميت، وتلقي العزاء لمدة أيام، وقد اختلفت آراء العلماء في هذا.
فالسؤال: إذا حصل لي ذلك هل أترك المنزل ولا أستسلم مع أن أقاربي يحملون الإنسان على ذلك، إلى آخره؟
ج/ مسائل التعزية واجتماع أقارب الميت الذين يقصد تعزيتهم أو مواساتهم في موت قريب لهم؛ يعني الاجتماع المعروف الذي يسمى اجتماع العزاء هذا حصل الكلام؛ كلام الشباب فيه وبعض الناس في هذا الوقت من جراء فتوى من لفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين في أن الاجتماع لا يشرع، أصل الاجتماع بل الذي يشرع هو التفرق.
وبقية علمائنا وعلى رأسهم سماحة الشيخ عبد العزيز وبقية المشايخ يقولون لا بأس بالاجتماع، وهذا القول هو الأولى والراجح؛ لأن الاجتماع إلى أهل الميت في هذا الزمن يحصل به التعزية والتعزية سنة وعمل مشروع قد قال عليه الصلاة والسلام من عزى مصابا فله مثل أجره، والمواساة مشروعة، وإذا تفرق الناس فلن تحصل المواساة والتعزية إلا بكَلَفة؛ يعني أين تلقاه هل في العمل الفلاني ستجده أو في بيته أو خرج، سيكون هناك مشقة في التتبع وفوت للتعزية.
¥