قال المرداوي الحنبلي: (ويكره الجلوس لها، هذا المذهب وعليه أكثر أصحابنا ونص عليه، قال في الفروع: اختاره الأكثر، قال في مجمع البحرين: هذا اختيار أصحابنا)،
والذي أريد أن أسأله للأخ ظافر: إذا كان ابن قدامة الحنبلي في كتابه المغني يفتي بكراهة الجلوس للعزاء ولم ينقل قولاً مخالفاً لا في مذهبه ولا في غيره، فكيف يصح أن تنسب إليه القول بالجواز؟!
والواضح في النص الذي نقلته عن ابن قدامة أنه يتكلّم عن صنع الطعام لأهل الميت وأنه مستحب، ولكنكَ فهمت من قوله: فإنهم ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي إليهم عن إصلاح طعام لأنفسهم)
أنه يقول بالجواز، وهذا الفهم بعيد، لأنّك حمّلت الكلام أكثر مما يحتمل ونسبتَ للرجل خلاف قوله ثم قلتَ: اختلف العلماء؟؟؟
· حبذا يا أخ ظافر أن تدلنا على أسماء العلماء الأوائل الذين صرّحوا بجواز الجلوس للعزاء، لكي نضعهم في مقابلة العلماء الآخرين وننظر في أدلة كل طرف.
ـ ثمّ يتابع الأخ ظافر فيقول واستدلّوا لهذا القول بأدلة منها:
الدليل الأول:
حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ في الصحيحين: (أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النساء ثم تفرقن ـ إلا أهلها وخاصتها ـ أمرت ببُرْمَةٍ من تَلبينة فطبِخَت, ثمّ صنع ثريدٌ فصُبّتِ التّلْبينَةُ عليها ثم قالت: كلنَ منها, فإِنّي سمعت رسول الله r يقول: "التّلبينة مَجمّةٌ لفؤاد المريض, تَذهبُ ببعضِ الحُزْن" (1).
فهذا الحديث فيه الدلالة على أنهم كانوا لا يرون في الاجتماع بأساً، لا اجتماع أهل الميت، ولا اجتماع غيرهم معهم، ففي الحديث "أنها كانت إذا مات الميت " فهذا يدل على أنها كانت عادة عندهم، إذا مات الميت اجتمع لذلك أهل الميت، وفي الحديث "ثم يتفرقون" ولا يتفرقون إلا بعد اجتماع، ويبقى أهلها وخاصتها، مما يدل على أن غيرهم كان معهم ثم ذهب، كما أن أهل الميت يصنعون لأنفسهم طعاماً، فهو من صنعة الطعام. انتهى
· وهنا أعود فأسأل الأخ ظافر من هو الإمام الذي استدل بهذا الحديث؟؟
ـ أمّا البخاري فقد استدل به في باب الأطعمة وفي باب الطب، ولم يستدل به في باب العزاء!!
وأما الإمام مسلم فقد استدل به في باب السلام. وقال شارحه: وإنما كانت عائشة رضي الله عنها تصنع ذلك لأهل الميت لأنهم شغلهم الحزن عن الغذاء فيشتد عليهم حرارة الجوع والحزن فإذا أكلوا ذلك سكنت عنهم تلك الحرارة. انتهى
وأمّا أنا فيدفعني الفضول لمعرفة من الذي استدل بهذا الحديث من العلماء في جواز الجلوس للعزاء؟
وأمّا بخصوص ما فهمه الأخ ظافر من الحديث فإني أرى أنه قد تكلّف جداً حتى خرج بهذا المعنى، وأظن أنه لم يُسبق إليه.
يا أخ ظافر إن علماء هذه الأمة لم يمنع واحد منهم الاجتماع عند أهل الميت عند مصيبة الموت لكي يعينوهم ويقفوا معهم في مصيبتهم ويؤدوا إليهم حقوقهم، وهذا الأمر معروفٌ قديماً وحديثاً فبمجرّد وصول نبأ الوفاة يهرع الأقارب والجيران والأصدقاء إلى بيت الميت ليقدّموا العون الممكن وليصبّروا أهل الميت ويساعدوهم في أمور التغسيل والتكفين والصلاة والدفن ثم بعد ذلك ينصرفون إلى حوائجهم ويبقى المقرّبون من أهل الميت من أقاربه وذويه ثم بعد ذلك ينصرفون هم أيضاً، وهذا المفهوم من حديث عائشة، ولكن هذا لا علاقة له بمجلس العزاء الذي يقام في الأيام التالية وعلى الهيئة المعروفة!
وأما الدليل الثاني الذي ساقه الأخ ظافر فهو:
الدليل الثاني:
استدلوا بما روته عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: (لما جاء النبي r قتلُ ابن حارثة و جعفر وابن رواحة جلسَ يُعرفُ فيه الحُزنُ، وأنا أنظرُ من صائر الباب شق الباب، فأتاه رجلٌ فقال: إن نساء جعفر ـ وذكر بكاءهن ـ فأمره أن ينهاهن فذهب، ثم أتاه الثانية لم يطعنه، فقال: إنهَهُن، فأتاه الثالثة قال: والله غلبننا يا رسول الله، فزعمت أنه قال:"فاحثُ في أفواههن التراب"، فقلت: أرغم الله أنفك، لم تفعل ما أمرك رسول الله r ولم تترك رسول الله r من العناء). انتهى
وأنا أسأل الأخ ظافر: مَنْ استدل بهذا الحديث على جواز مجالس العزاء؟
¥