· أين الأحاديث والآثار التي تتكلم عنها وتوحي للقارئ بكثرتها ولم تذكر سوى حديث عائشة، الذي لم يستدل به أحد من السلف على ما ذهبتَ إليه، بل وليس فيه ما يساعد على قولك بالجواز.
· وأين الدليل على أن السلف كانوا يجتمعون للعزاء؟؟، أمّا قصة المسعودي (في رسالتك يوجد خطأ مطبعي فوفاته كانت 160هـ وليس 65هـ) فليس فيها دليل على وجود مجلس عزاء، ثم هب أنه فعل ذلك فهل فعله بالضرورة يكون جائزاً، ألم تنح بعض الصحابيات على موتاها رغم النهي النبوي عنها، أم سيأتي من يبيح النياحة لفعلهنّ!!!
ـ ثم يا أخ ظافر الإمام مالك نهى عن الجلوس للعزاء وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وكل من كان في طبقتهم، وأنت لا أدري لماذا لا تعتبرهم سلفاً، في حين تعتبر ابن حجر العسقلاني الذي جاء بعدهم بسبعة قرون فتقول عنه إنه هو السلف؟؟؟؟
وهذا قولك: إن فهم الحديث الشريف لا يكون إلا بما فهمه السلف الصالح ـ رحمهم الله تعالى ـ فهذا ابن حجر يقول في شرحه لهذا الحديث: (وفي هذا الحديث من الفوائد أيضاً جواز الجلوس للعزاء بسكينة ووقار).
ومع ذلك فإنّ كلام ابن حجر ليس فيه إباحة مجالس العزاء، بل هو يعني مطلق الجلوس وهذا لا خلاف فيه (بمعنى أن الرجل إذا كان جالساً في بيته أو متجره أو بستانه فأتاه من يعزيه بميّته فهذا مشروع، لا أن يحدث مجلساً خاصّاً للعزاء!) وهذا هو مقصود ابن حجر وهو شافعي المذهب ولم يُخالف أحدٌ من الشافعية في مسألة كراهية مجالس العزاء!
يا أخ ظافر إذا كنتَ تريد أن تعرف ما هو فهم السلف لهذه المسألة فبإمكانك أن تنظر في فهارس كتب السنّة لتجد أنهم كانوا يبوّبون فيقولون كما في سنن ابن ماجة:
باب ما جاء في النهي عن الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام
وجاء في مصنف ابن أبي شيبة
ما قالوا في الإطعام عليه والنياحة. ثم روى
11348 حدثنا معن بن عيسى عن ثابت عن قيس قال: أدركتُ عمر بن عبد العزيز يمنع أهل الميت الجماعات يقول: ترزؤون وتغرمون.
و إسناده حسن.
11349 حدثنا وكيع عن مالك بن مغول عن طلحة قال: قدم جرير على عمر رضي الله عنهما فقال: هل يناح قِبلكم على الميت؟ قال: لا. قال: فهل تجتمع النساء عندكم على الميت، ويطعم الطعام؟ قال: نعم. فقال: تلك النياحة.
وهذا إسناد صحيح عند من اكتفى من الثقة غير المدلس المعاصرة فقط لمن يحدث عنه، وطلحة بن مصرّف قد عاصر جريراً، وكلاهما سكنا الكوفة. (وطلحة ثقة كبير) وهذا هو مذهب جمهور المحدّثين، إلا أنّ البخاري رحمه الله اشترط في صحيحه المعاصرة والتصريح بالسماع، وإذا كان الأخ ظافر (وقد ضعّفَ هذا الأثر) يعُدّ هذا الشرط ضرورياً، فإنه يلزمه أن يضعّف نصف الأحاديث النبوية التي رواها الإمام مسلم وأصحاب السنن والمسانيد!!! ولم أجد من نفى سماع طلحة من جرير، بل إنّ ابن معين نفى سماع طلحة من أنس رضي الله عنه، مع أنّ البخاري ومسلم والنسائي رووا لطلحة عن أنس!!!!!!!!!
فهذان أثران صحيحان يبيّن فيهما السلف أن الاجتماع عند الميت للعزاء منهي عنه!
وبهذا نجد أنّ قول الأخ ظافر: " أما الجلوس للتعزية فقط فهذا لا يُعلم أن أحداً من السلف قال: إنه من النياحة وحده، أو أنه نهي عنه ". غير صحيح.
والعجيب أن الأخ ظافر يقول في رسالته: ولا خلاف في تحريم المآتم.
والسؤال ما الفرق بين المآتم ومجالس العزاء؟؟ إذا كان الشافعي يقول:
"والمأتم هي الجماعة وإن لم يكن لهم بكاء "
وهل مجالس العزاء عندكم هي للأفراح، أم تجدد الحزن؟
والأعجب من ذلك أن الأخ ظافر وبكل بساطة أتى إلى حديث جرير البجلي وهو: " كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة " فضعّفه وزعم أنّ الدارقطني قد أعلّه!!!
وبعد ذلك أعلن أنه لم يبقَ للمانعين أي دليل يعتمدون عليه.مع أن الحديث صحيح باتفاق كل العلماء المحدّثين الأوائل والأواخر، وهذا الأثر صححه الإمام النووي كما في المجموع.
وقال البوصيري في مصباح الزجاجة: (إسناده صحيح رجال الطريق الأول على شرط البخاري، والثاني على شرط مسلم).
وصححه الألباني في أحكام الجنائز، وفي صحيح ابن ماجه.
¥