تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو يوسف القويسني]ــــــــ[27 - 10 - 08, 07:42 م]ـ

السؤال

كيف يمكن الجمع بين حديث: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين)، وحديث: (إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها).

قال العلامة الشنقيطي في "شرح زاد المستقنع":

لا تعارض بين الحديثين، والحمد لله؛ كلاهما خرج من مشكاة واحدة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون)، على رواية الرفع، المراد به: أن الإنسان إذا ألم بمعصية ثم ستره الله بستره، وذهب وتكلم جهاراً بما ألمَّ به، فقد هتك ستر الله، وهذا يقع من بعض أهل الضلال، والفسوق والفجور، يفعلون المعاصي، ثم يأتي إلى صديقه ويقول: فعلت وفعلت وحدث وحصل، فيتفاخر ويتباهى.

فهذا -نسأل الله السلامة والعافية- سلب الله منه العافية؛ لأن من العافية أن يصرف الله عن عبده الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فإذا أذنب وألَمَّ بخطيئة وستر الله عليه؛ عوفي في علانيته.

أما إذا أصبح يهتك ستر الله، ويأتي يفاخر ويباهي بذنبه ويقول: فعلت وفعلت، فهذا عافاه الله علانية فلم يرضَ عافية الله؛ فجمع بين بلاء السر وبلاء الظاهر والعلانية.

أما بالنسبة لحديث: (إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها).

فدل الحديث الأول على أن من ستر فهو معافى، فكيف يجمع بينه وبين هذا الحديث فيمن فعل المعصية في الخلوة؟ الجواب: أنه في حديث ثوبان رضي الله عنه: (أعرف أقواماً من أمتي يأتون بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء، فيجعلها الله هباءً منثوراً، قالوا: يا رسول الله! صفهم لنا، جلهم لنا، لئلا نكون منهم ونحن لا ندري، قال: أما إنهم منكم يصلون كما تصلون، ويأخذون من الليل كما تأخذون، إلا أنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) أي: أن عندهم استهتاراً واستخفافاً بالله عز وجل، فهناك فرق بين المعصية التي تأتي مع الانكسار، والمعصية التي تأتي بغير انكسار، بين شخص يعصي الله في ستر، وبين شخص عنده جرأة على الله عز وجل، فصارت حسناته في العلانية أشبه بالرياء وإن كانت أمثال الجبال، فإذا كان بين الصالحين أَحْسَنَ أيما إحسانٍ؛ لأنه يرجو الناس ولا يرجو الله، فيأتي بحسنات كأمثال الجبال، فظاهرها حسنات، (لكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) فهم في السر لا يرجون لله وقاراً، ولا يخافون من الله سبحانه وتعالى، بخلاف من يفعل المعصية في السر وقلبه منكسر، ويكره هذه المعصية، ويمقتها ويرزقه الله الندم، فالشخص الذي يفعل المعصية في السر، وعنده الندم والحرقة ويتألم، فهذا ليس ممن ينتهك محارم الله عز وجل؛ لأنه -في الأصل- معظم لشعائر الله، لكن غلبته شهوته فينكسر لها، أما الآخر فيتسم بالوقاحة والجرأة على الله؛ لأن الشرع لا يتحدث عن شخص أو شخصين، ولا يتحدث عن نص محدد، إنما يعطي الأوصاف كاملة.

من الناس من إذا خلا بالمعصية خلا بها جريئاً على الله، ومنهم من يخلو بالمعصية وهو تحت قهر الشهوة وسلطان الشهوة، ولو أنه أمعن النظر وتريث، ربما غلب إيمانُه شهوته وحال بينه وبين المعصية، لكن الشهوة أعمته، والشهوة قد تعمي وتصم، فلا يسمع نصيحة ولا يرعوي، فيهجم على المعصية فيستزله الشيطان، قال تعالى: {إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} [آل عمران:155]، فإذا حصل الاستزلال من الشيطان، فزلت قدم العبد، لكن في قرارة قلبه الاعتراف بالمعصية، والله يعلم أنه لما وقع في المعصية أنه نادم، وأنه كاره لها، حتى إن بعضهم يفعل المعصية وهو في قرارة قلبه يتمنى أنه مات قبل أن يفعلها، فهذا معظم لله عز وجل، ولكنه لم يرزق من الإيمان ما يحول بينه وبين المعصية، وقد يكون سبب ابتلاء الله له أنه عير أحداً أو أنه عق والداً أو قطع رحمه، فحجب الله عنه رحمته، أو آذى عالماً أو وقع في أذية ولي من أولياء الله؛ فآذنه الله بحرب، فأصبح حاله حال المخذول، مع أنه في قرارة قلبه لا يرضى بهذا الشيء، فيخذل عند التعرض للمعاصي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير