تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومحاربة الله للعبد على صفات، منها -والعياذ بالله- أن يأكل الربا فيأذن بحرب من الله عز وجل، فيأتي إلى المعاصي فيسلب التوفيق، ويأتي إلى المظالم فتجده في بعض الأحيان يقع في ظلم أخيه فيستغرب كيف وقع هذا؟! لأن الله خذله، ويكون الخذلان لأسباب: إما أنه عير مبتلى فعاقبه الله، أو أصابه غرور بطاعته فعاقبه الله ووكل إلى حوله، وأشياء أخرى كثيرة، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216]، فهذه الأمور لا ينظر الإنسان فيها إلى شخص معين، وإنما ينظر إلى أحوال الناس، فمن الناس من يكون عنده حسنات في الظاهر كأمثال الجبال، ولذلك تجد بعضهم إذا وقف مع الناس فهو ذلك الرجل اللين اللسان، الطيب الجنان، فإذا غاب عنهم حقد عليهم وسبهم وشتمهم، وربما يجلس في مجالس الخير والذكر، وكأنه واحد من أصحابهم، فإذا غاب عنهم أخذ يغتابهم ويذمهم ويلومهم، ولا يعظم الله ولا يرعوي عن حرمات المسلمين، فعنده جرأة -والعياذ بالله- على معصية الله، ولكن إذا وقع العبد في معصية وهو في قرارة قلبه يكره أن يقع في هذا الشيء ولو أنه أُعطي التوفيق من الله تعالى بتعاطي الأسباب لما ابتلي بهذا، وإذا وقع في الذنب صحبه الندم والألم، فهذا ممن رجا رحمة الله عز وجل، ومن هذا الذي رجا رحمة الله وخيبه الله؟ وكيف يكون العبد تائباً إلا من ذنب? فهناك مراتب وأحوال ينبغي مراعاتها، ومنها: أنه لا ينبغي أن نأتي ونضع منزلة المحسن للمسيء، ومنزلة المسيء -الذي هو بالغ الإساءة- للمحسن، والمسيء ظاهراً وباطناً ليس كمن يسيء ظاهراً لا باطناً، فإذا جئت تنظر إلى معصية السر، فالذي يعصي في السر على مراتب: منهم من يعصي مع وجود الاستخفاف، فبعض العُصاة تجده لما يأتي إلى معصية لا يراه فيها أحد يذهب الزاجر عنه، ويمارسها بكل تهكم وبكل وقاحة، وبكل سخرية ويقول كلمات، ويفعل أفعالاً، ولربما نصحه الناصح، فيرد عليه بكلمات كلها وقاحة، وإذا به يستخف بعظمة الله عز وجل ودينه وشرعه، لكنه إذا خرج إلى الظاهر صلى وصام، وإذا خلا بالمعصية لا يرجو لله وقاراً -والعياذ بالله- فليس هذا مثل من يضعف أمام شهوة أو يفتن بفتنةٍ يراها ويحس أن فيها بلاء وشقاء، ويقدم عليها، وقلبه يتمعر من داخله ويتألم من قرارة قلبه، ثم إذا أصاب المعصية ندم، ولذلك الشيطان تجده يلبس على بعض الأخيار، فتجد بعض الأخيار -وهو نادر- مبتلى بالعادة السرية، فيأتيه الشيطان ويقول له: أنت ممن يصدق عليهم: (إذا خلو بمحارم الله انتهكوها)، فأنت منافق.

أبداً، هذا ليس بصحيح، وإن كان لا ينبغي للإنسان أن يفعل هذه المعاصي في السر، وعليه أن يتقي الله عز وجل في السر، حتى يتبوأ الدرجات العلى في الأولى والآخرة، لكن {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46].

فالله لا يظلم العباد، ولا ينزل عبداً جريئاً على حدود الله ومحارمه منزلة عبد يخاف الله ويرجو رحمته، ولذلك جاء في الأثر أن الله يوقف العالم بين يديه، أو يوقف الرجل الصالح بين يديه، فيقول: (عبدي! فعلت وفعلت حتى إذا رأى أنه هالك لا محالة قال: عبدي! قد كنت ترجو رحمتي؛ قد غفرت لك)، أي: مع كل هذه الذنوب ومع هذه الإساءة ترجو رحمتي، وقد علمت منك أنك كنت مشفقاً على نفسك وتخاف الله عز وجل، فإني لا أخيبك، وهذا شأنه وهو الكريم سبحانه وتعالى، وهو الذي يبتدئ بالإحسان ويتفضل بالنعم، ولا يستحق أحد ذلك؛ لأنه كله فضل الله وكرمه، لا منتهى لكرمه ولا منتهى لجوده، والحمد لله على حلمه، والحمد لله على كرمه وجوده وإحسانه ورحمته، وسع العباد جوداً ورحمة وإحساناً وبراً، فهذا الحديث ليس على إطلاقه، وإنما المراد به من كانت عنده الجرأة -والعياذ بالله- والاستخفاف بحدود الله، ونسأل الله بعزته وجلاله كما أنعم علينا بنعمة الإسلام وتوحيده والإخلاص لوجهه، والخوف منه سبحانه، أن لا يسلبنا هذه النعمة، وأن لا ينقصنا منها، اللهم زدنا ولا تنقصنا، اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا بطاعتك، ولا تهنا بمعصيتك، وأنت أرحم الراحمين، والله تعالى أعلم.

ـ[أم ديالى]ــــــــ[27 - 10 - 08, 11:49 م]ـ

جزاكم الله خيرا

ـ[عبد الرشيد الهلالي]ــــــــ[28 - 10 - 08, 10:43 م]ـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير