فابن القيم ذكر احتمالاً وارداً ولم يجزم به، فلعلَّك تحمل كلامه على ما أراده، لا على ما فهمته.
و لكن ابن القيم قال (و هذه حقيقة يجب التصديق بها)، فعلمت من ذلك أنه يُجزم لا يظن.
أما أن قد يكون الجائي للإنسان في نومه هو الشيطان على الاحتمال = فنعم ..
ولكن .. قد يكون روح العبد الصالح.
و قد يرجح أحدهما بالاحتمال بحسب القرائن
نحن لا نختلف على احتمال أن يكون (الجائي) هو الشيطان، أما أن يكون روح العبد الصالح فلم أقف على دليل بإحتمال حدوث ذلك
و في الحديث الذي أورده الأخ العبد جاء تقسيم الرؤيا إلى ثلاث من الله و من الشيطان و مما يحدث العبد نفسه، و لم يأت ما يدل أن روح الميت يمكن أن تُحدث رؤيا.
أما دليل إمكان ذلك مطلقاً للعبد فهو جوازه للنبي.
فما جاز للنبي جاز لغيره، مع عدم لزوم استثناء ما استثني في حق النبي من عدم تصور الشيطان في صورته الحقيقية، إذ قد يتصوَّر الشيطان فيب صورة غير صورته الحقيقية فيزعم أنه رسول الله، وهو كاذب.
ومن منع ذلك مطلقاً أو خصَّه برسول الله فهو المطالب بالدليل.
أنت تفترض أن حديث الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (من رآني في المنام فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي) يفيد أن روح النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هو المسببة لرؤيته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - و هذا لم يثبت، والظاهر أن المعنى أن هذه الرؤيا من الله و ليست من الشيطان كما يفسر ذلك حديث أنواع الرؤى السابق
ومما يدلُّ على صحَّة هذا الاعتقاد وصحَّته، ما جاء في حديث البخاري عن عروة عمَّن رأى أبا لهبٍ من بعض أهله (وقيل هو: العبَّاس) = بعد موته بشر حيبة ... الخبر
فلو لم يكن جواز رؤية الميت (مؤمناً أو كافراً) جائزاً لما أخبروا به على وجه القبول وعدم النكارة.
الاعتقاد الذي وصفته بالعجيب ليس حول رؤية الأموات، و لكن الاعتقاد هو أن أرواح هؤلاء الأموات هي المسؤولة عن رؤيتهم، فتكون هذه الرؤية هي التقاء روح الميت بروح الحي.
ما أثارني في هذا الاعتقاد أنه يفتح الباب لتدليس الشيطان على العوام، إذ قد يأتي الشيطان في صورة أحد أهل البدع و يقول للنائم أنه في روضة من رياض الجنة، قيقر ذلك في نفس النائم و يسير على بدعته.
هل علمت خطورة هذا الاعتقاد؟
ـ[عبد]ــــــــ[19 - 04 - 05, 04:49 ص]ـ
جزاك الله خيرا، فقد تناولت مسألة الرؤيا و استوفيتها، و لكنك لم تناقش مدار الإشكال و هو (القول بأن رؤية الميت في النوم تعني التقاء روحه مع روح الحي)
أقول والله تعالى أعلم، أنه لا يلزم من ذلك تلاقي الأرواح حقيقة للتالي وهو:
أن الرائي يمكن له أن يرى في منامه شخصاً لم يمت بعد وهذا الشخص المرئي ليس بنائم وإنما قد يكون مستيقظاً يضرب في الأرض وهنا لا مجال لانفصال روحه عن جسده كما في النوم. فكيف رأى النائم حينئذ هذا الشخص الحي إذا كان لا بد من التقاء الأرواح لحصول ذلك؟
أرى والله أعلم (ومادام أنه لم يرد حسب علمي في ذلك دليل ثابت) أن اللقيا تكون في الرؤيا عبر أمثال مضروبة يضربها الملك لا تلاقٍ بين الأرواح حقيقة.
وابن القيم رحمه الله لم يسق دليلاً على قوله وإنما ساق استدلالا حسياً ليس بمنأى عن الخطأ.
ـ[عبد]ــــــــ[19 - 04 - 05, 05:39 ص]ـ
.... وعلى العموم، أسوق كلام القرطبي رحمه الله عن قوله تعالى:"ويسألونك عن الروح" الآية.
قال:"والصحيح الإبهام لقوله: " قل الروح من أمر ربي " أي هو أمر عظيم وشأن كبير من أمر الله تعالى , مبهما له وتاركا تفصيله ; ليعرف الإنسان على القطع عجزه عن علم حقيقة نفسه مع العلم بوجودها. وإذا كان الإنسان في معرفة نفسه هكذا كان بعجزه عن إدراك حقيقة الحق أولى. وحكمة ذلك تعجيز العقل عن إدراك معرفة مخلوق مجاور له , دلالة على أنه عن إدراك خالقه أعجز" أ. هـ.
ـ[عبد]ــــــــ[19 - 04 - 05, 03:51 م]ـ
و لكن ابن القيم قال (و هذه حقيقة يجب التصديق بها)، فعلمت من ذلك أنه يُجزم لا يظن.
قلت: فإن كان هذا صحيحاً عن ابن القيم رحمه الله فالجواب:
أنه لا وجه للإلزام بتصديق هذا الذي ذكره لأنه لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله وكل يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا قو له صلى الله عليه وسلم. أما إن كان مقصود ابن القيم وجوب التصديق بحصول التلاقي بين الأحياء والأموات فهذا له وجه من الاعتبار أما إن كان مقصوده أنه لا يحصل ذلك إلا بتلاقي الأرواح فهذا لا دليل عليه حسب علمي.
ـ[حارث همام]ــــــــ[19 - 04 - 05, 05:29 م]ـ
أقل ما يقال في هذا الموضوع أن النفي فيه كالإثبات يفتقر كلاهما إلى دليل.
ثم أقول للأخ عبد قول ابن القيم: "وهذه حقيقة يجب .. " عائد على: "الحي يرى الميت في منامه فيستخبره ويخبره الميت بما لا يعلم الحي فيصادف خبرة كما أخبر في الماضي والمستقبل وربما أخبره بمال دفنه الميت في مكان لم يعلم به سواه وربما أخبره بدين عليه وذكر له شواهد ه وأدلته" فهذا أمر مشاهد وحقيقة لاينكرها إلاّ مكابر، ولكن هل هي دليل على ما قاله الإمام رحمه الله أو لا؟ هذا هو الذي يمكن أن يناقش بأدب وعلم أو يسكت عنه بحلم، وهذا هو المحتمل الذي أراده الشيخ أبوعمر السمرقندي وفقه الله، والله أعلم.
¥