وأما الإجماع فقد نقله غير واحد كما قال النووي في المجموع (2/ 228 مختصر الرافعي): أجمعت الأمة على نجاسة المذي والودي اهـ.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 52): واتفق العلماء على أن المذي نجس، ولم يخالف في ذلك إلا بعض الإمامية اهـ.
وذكرها الدكتور وهبة الزحيلي في الفقه الإسلامي وأدلته (1/ 151 - 152) مما اتفق الفقهاء على نجاسته، وقال في فقه السنة (1/ 18): وهو نجس باتفاق العلماء.
ويتضح الاستدلال بهذا الوجه وقوته بأن يقال: قد ثبت بالنص والإجماع نجاسة المذي، وقد ثبت بالإجماع أيضا أن كل نجس حرام أكله ومباشرته، ويلزم من الامتصاص واللحس مباشرة النجاسة بالفم لأن هذا الماء النجس يخرج في هذه الحالة، فدل على تحريم ذلك على الرجل والمرأة معا وهو المطلوب.
الإجماع على تحريم أكل النجاسات و لزومه لها
وهذا كما ترى ينبني على مقدمات كلها صحيحة، ومقتضى النظر الصحيح أن النتيجة إذا كانت مبنية على مقدمات صحيحة كانت النتيجة أيضا صححة، وهذا بيان صحة المقدمات المذكورة:
المقدمة الأولى وصحتها
- أما نجاسة المذي فقد تقدم البيان قريبا.
المقدمة الثانية وصحتها
- وأما تحريم أكل النجاسة ومباشرتها فهو قول العلماء - و نقل الإجماع عليه.
قال ابن حزم في مراتب الإجماع (ص 39) واتفقوا على أن أكل النجاسة وشربها حرام حاشا النبيذ المسكر اهـ.
وقال ابن تيمية في المجموع (21/ 542) في كلام: وطرد ذلك أن كل ما حرم مباشرته وملابسته حرم مخالطته وممازجته، ولا ينعكس، فكل نجس محرم الأكل، وليس كل محرم الأكل نجسا، وهذا غاية في التحقيق اهـ. وهذا الكلام في الفتاوى الكبرى أيضا (2/ 121).
وقال ابن قدامة في عمدة الفقه (ص 241): فأما غير الحيوان فكله مباح إلا ما كان نجسا أو مضرا كالسموم اهـ.
وقال الصنعاني في سبل السلام (1/ 76):والحق أن الأصل في الأعيان الطهارة، وأن التحريم لا يلازم النجاسة، فإن الحشيشة محرمة طاهرة، وكل المخدرات والسمومات القاتلة لا دليل على نجاستها، وأما النجاسة فيلازمها التحريم، فكل نجس محرم ولا عكس، وذلك لأن الحكم في النجاسة هو المنع من ملابستها على كل حال، فالحكم بنجاسة العين حكم بتحريمها اهـ المراد منه.
وقال الزحيلي في الفقه الإسلامي (3/ 506): أما النبات المأكول فكله حلال إلا النجس والضار والمسكر اهـ.
وأوضح الحافظ في الفتح (1/ 305): أن الخلاف في مس الذكر باليمين وهل هو محرم أم لا ليس على كل الأحوال فقال: ومحل هذا الاختلاف حيث كانت اليد تباشر ذلك بآلة غيرها كالماء وغيره، أما بغير آلة فحرام غير مجزئ بلا خلاف، واليسرى في ذلك كاليمنى اهـ
ويتضح من كلام الحافظ أن مباشرة النجاسة بالفم - وهو الحاصل في الامتصاص واللحس -بغير آلة محرم من باب أولى وأحرى.
المقدمة الثالثة وصحتها
- وأما أن المذي يخرج عند الملاعبة والمباشرة فلا نعلم في ذلك خلافا، وهو المستفاد من تعريف المذي.
قال في الفتح (1/ 451): وهو - أي المذي - ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الملاعبة، أو تذكر الجماع أو إرادته، وقد لا يحس بخروجه اهـ
وقال في نيل الأوطار (1/ 52): والمذي ماء رقيق أبيض لزج يخرج عند الشهوة بلا شهوة ولا تدفق ولا يعقبه فتور، وربما لا يحس بخروجه، ذكره النووي ومثله في الفتح اهـ.
وقال ابن دقيق العيد في الأحكام (1/ 115): هو الماء الذي يخرج من الذكر عند الانعاظ اهـ.
وقال في مغني المحتاج (1/ 179): ماء أبيض رقيق يخرج بلا شهوة قوية عند ثورانها اهـ.
إذا تقرر ذلك وهو: أن المذي نجس أولا، وأنه يخرج عند الملاعبة والمباشرة من الرجل والمرأة ثانيا، وأنه يحرم أكل النجاسة ومباشرته ثالثا، وأنه يلزم من تجويز الامتصاص واللحس مباشرة النجاسة بالفم وهو محرم، تبين تحريم هذه الفعلة وقوة هذا الوجه، وأنه يكفي في القول بالتحريم لو لم يكن في الباب إلا هذا الوجه، فكيف وقد تقدم لنا دلالة الكتاب والسنة الصحيحة وقياس الأولى؟.
اعتراض مردود
فإن قيل: قد لا يعم ذلك كل الرجال والنساء، فلا يلزم مباشرة النجاسة حينئذ؟
¥