تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال أبو عبد الباري: لا شك أن الخبث دليل على التحريم لهذه الآية لكن بضوابطه، وللفقهاء تفصيلات فيها من الغلو ما لا يخفى، لكن الشيء الخبيث والمستقذر بالاتفاق ينبغي أن يكون محرما بالاتفاق، وما جرى اختلاف في خبثه عدا ذلك إلى الاختلاف في حله وحرمته ما لم يرد في الباب ما يرجح أحد الطرفين.

وقد تقدم ما يدل على أن الفضلات الخارجة من السبيلين لشهوة وغيرها من الخبائث ألا وهو تسميتها بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم " أذى " أي قذرا وأوساخا أو نجاسة، ومفاد ذلك القول بتحريم مباشرتها لا سيما بالفم الذي هو أفضل الأعضاء الظاهرة، وأعظمها شرفا، وأولاها بالصيانة من الخبث والأذى، والذي هو محل الذكر والنطق بالشهادة.

قال أبو عبد الباري: أضف إلى ذلك أن هذه الفعلة كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مسبة قبيحة وعيبا شنيعا كما يدل عليه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه لعروة بن مسعود بحضرة النبي ? يوم الحديبية عند ما وصف عروة المسلمين أوباشا لا يثبتون بل سرعان ما يتفرقون عن النبي ? قال أبو بكر والنبي ? يسمع" أمصص بظر اللات أنحن نفر من رسول الله ? وندعه " (رواه البخاري رقم2731) ولم يكن النبي ? يسكت على أبي بكر وهو يعيب رجلا بما يحل ويجوز فعله، هذا أمر لا يجوز اعتقاده، كما يدل صنيع أبي بكر وغضب عروة بن مسعود أن هذه الفعلة كانت من الرذائل التي تأنف منها الفطر السليمة ولا تبيحها القيم المستقيمة، فتأمل هذا فإنه مفيد لتحريم هذه الفعلة الشنيعة.

قال الحافظ في الفتح (5/ 401): كانت عادة العرب الشتم بذلك لكن بلفظ الأم فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة ما كان يعبد مقام أمه وحمله على ذلك ما أغضبه به من نسبة المسلمين إلى الفرار، وفيه جواز النطق بما يستبشع من الألفاظ لإرادة زجر من بدا منه ما يستحق به ذلك.

قال أبو عبد الباري: وليعلم أن مثل هذه الفعلة القبيحة لم تكن من فعل أهل المروءة، ولا مما ينقله ويحكيه أهل الديانة، وإنما كان من فعل المجانين، ومن صنيع المغفلين المخذولين، وكان يحكيها ويتفكه بها من هو رقيق الديانة، قليل الحياء، حتى صارت عليهم عارا، وعيب عليهم التهاون بحكاية مثل هذه.

ما حكاه الراغب الأصبهاني في الأغاني والرد عليه

ذكر الرافضي أبو الفرج الأصبهاني في كتابه الغث الرديء (الأغاني 13/ 326) حكاية سخيفة في ذلك فقال:" اجتمع يحيى بن زياد ومطيع بن إياس وجميع أصحابهم فشربوا أياما تباعا، فقال لهم يحيى ليلة من الليالي: ويحكم ما صلينا منذ ثلاثة أيام، فقوموا نصل، فقالوا: نعم، فقام مطيع فأذن وأقام، ثم قالوا: من يتقدم؟ فتدافعوا ذلك، فقال مطيع للمغنية: تقدمي فصلي بنا، فتقدمت تصلي بهم عليها غلالة رقيقة مطيبة بلا سراويل، فلما سجدت بان فرجها، فوثب مطيع وهي ساجدة، فكشف عنه وقبله، وقطع صلاته ثم قال:

ولما بدا فرجها جاثما كرأس حليق ولم يعتمد

سجدت إليه وقبلته كما يفعل الساجد المجتهد

فقطعوا صلاتهم وضحكوا ثم عادوا إلى شربهم " والله أعلم.

هذا نص كلامه في الأغاني وهو يدل على أن هذا فعل المجانين والسكارى المخذولين، فهم الذين تركوا الصلاة أياما تباعا، واجتمعوا لشرب الخمر والسكر، ومع امرأة عارية خليعة، تغني لهم ويفعلون بها ما لا يسمح به الشرع الحنيف، ولا الخلق الرصين، ثم تتقدمهم في الصلاة تصلي بهم، ثم يقطعون صلاتهم يضحكون، وهم مع ذلك يستحسنون قبلة الفروج، وقطع الصلاة، فهذه مصائب متراكمة، وقبائح متعددة، ومنكرات وكبائر متنوعة اجتمعت في هؤلاء، فحري بمثلهم ألا يستحوا من هذه الفاحشة الرذيلة.

ثم إن حكايتها على سبيل الفكاهة والطرفة فعل من ضعف عنده وازع الديانة، وقل في قلبه الحياء والخشية، لا سيما وهو يقتضي الاستهزاء بأعظم الشعائر الإسلامية بعد النطق بالشهادة، فهل يفعل مثل ذلك إلا من لا يتقي الله جل وعلا.

نقد الدكتور حسين آيت سعيد للراغب

قال الدكتور حسين آيت سعيد في رسالته في الغناء بالمعازف (ص 28) بعد نقله لهذه الحكاية: فهل سمعت أخي القارئ استهزاء أقبح من هذا بشعيرة من شعائر الدين، وهي الصلاة، وهل يوجد عباد الفروج إلا في المجوس الذين ينحدر منهم أبو الفرج، وهل من يحترم عقله وعلمه يكتب مثل هذا الهراء وينقله باسم الطرفة والفكاهة؟ سبحانك هذا بهتان عظيم اهـ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير