تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد قدمنا أيضا أن هذا الرفع للبراءة الأصلية لا يسمى نسخا كما قال الحافظ ابن القيم في حاشيته على سنن أبي داود (11/ 125 مع عون المعبود) أثناء كلامه على الجلود: ولا يعارض ذلك نهيه عن جلود السباع، فإنه نهي عن ملابستها باللبس والافتراش كما نهى عن أكل لحومها، لما في أكلها ولبس جلودها من المفسدة، وهذا حكم ليس بمنسوخ ولا ناسخ أيضا، وإنما هو حكم ابتدائي رافع لحكم الاستصحاب الأصلي ... اهـ.

وبعد هذه الجولة المفيدة يتضح للقارئ أنه ليس للمبيحين متمسَّك بالبراءة الأصلية في معارضة الأدلة المتقدمة الدالة على التحريم والله أعلم.

الشبهة الثانية: الاستدلال بالقياس على النظائر المباحة

قد تقرر عند العلماء بناء على أصل البراءة العقلية إباحة كثير من أنواع العشرة الزوجية، مما هو من باب المباشرة، مثل المفاخذة والمباضعة، واستخراج الماء بيد الزوجة المستثنى من تحريم الاستمناء عند من قال بالتحريم ولا مانع من استحداث أنواع أخرى من الاستمتاع بين الزوجين، طالما الأصل في ذلك الإباحة.

إن النظائر المذكورة من المفاخذة والعكن ونحوها لا يصح الاستدلال بها في إباحة لعق الأعضاء التناسلية لكلا الجنسين لوجهين:

الوجه الأول: أن هذا من القياس مع الفارق، إذ لا يوجد فيها من المحظورات الشرعية ما يوجد في مسألة المص واللحس، وذلك:

أولا: أن الوجه الثالث في قياس الفم على اليمين في تحريم مس الفرج وكونه أولى بالمنع من ذلك، لا يوجد في التفخيذ ونحوه، إذ ليس للفخذ من الحرمة والتكريم وصيانته من النجاسات ما للفم من ذلك، وهو واضح جدا، فلا يصح إلحاق الفخذ والعكن بالفم واللسان الذي هو موضع الذكر والتسبيح والتهليل، ولا يوجد في الفخذ ومواضع المباشرة المباحة ما يشبه ويكون أولى بالمنع من اليمين مثل الفم واللسان.

ثانيا: ليس في التفخيذ ونحوه من مباشرة النجاسة على وجه الأكل بالفم مثل ما في لعق الأعضاء التناسلية ومصها، وقد علم مما تقدم تحريم مباشرتها بالفم وذلك لا يصدق على مباشرتها بغيره مما لا يشبه الفم واللسان فافترقا، وعليه فلا يصح إلحاق الفم بمواضع المباشرة.

ثالثا: إن الذي تقدم من تحريم الخبائث يقع أصله على أكلها، وقد سبق أن هذه الإفرازات من المستقذرات والخبائث التي تقتضي التحريم وليس التفخيذ ونحوه كذلك فدل على أن لعق الأعضاء التناسلية يختلف عن مواضع المباشرة المباحة.

فهذه فروق ثلاثة بين الفم واللسان وبين ما يدعى أنه من نظائرهما، وبذلك يتضح أن هذه النظائر المذكورة وقياس الفم عليها من القياس مع الفارق.

الوجه الثاني: يجوز تبعا ما لا يجوز استقلالا، والتفخيذ تابع المأتي بخلاف الفم كما تقدم عن السندي أنه قال في كلامه على معنى الحرث الوارد في الآية: " ولا دلالة له على نفي التفخيذ، لأن ذلك تابع للإتيان في موضع الحرث بخلاف الإتيان في موضع آخر غير موضع الحرث لأنه غير تابع فلا يجوز أصلا" نقله الأرناؤط في تحقيق المسند (4/ 238).

وبناء عليه يحرم الاستمتاع بالمرأة في أذنها وأنفها بالإتيان كما لا يجوز ذلك في الفم واللسان، لأن هذه مواضع التكريم، وليست مما يجوز تبعا.

الشبهة الثالثة: الاستدلال بمفهوم المباشرة المباحة

هذا الوجه أورده بعضهم على وجه الاحتجاج أخذا من قول بعض العلماء في تعريف المباشرة، وهو ما ذكره الشيخ ناصر الدين الألباني في آداب الزفاف (ص 124) هامش (1): في "النهاية": " أراد بالمباشرة الملامسة، وأصله من لمس بشرة الرجل بشرة المرأة، وقد ترد بمعنى الوطء في الفرج وخارجا منه".

قلت – أي الألباني -: والثاني هو المراد منه هنا كما لا يخفى، وبه قالت السيدة عائشة رضي الله عنها.

قالت الصهباء بنت كريم: قلت لعائشة: ما للرجل من امرأته إن كانت حائضا؟ قالت: كل شيء إلا الجماع اهـ.

فقال من استدل به: إن قوله أن المباشرة تقع على الوطء خارج الفرج، وأن هذا هو المراد في هذا الحديث يدل على أن الوطء خارج الفرج ومنه الفم وغيره من الأمور المباحة، وأنه داخل تحت المباشرة بين الزوجين ... إلخ كلامه.

الوجه الأول: أن المراد بها المفاخذة ونحوها

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير