تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الوجه الثاني: أن هذه الحيلة لو نفعت في منع وصول النجاسة إلى الفم واللسان، وأورثت شبهة لدى البعض بدلالة مباشرة النجاسة على التحريم، فلا تؤثر في دلالة الوجه الثالث على التحريم، ذلك لأن قياس الفم واللسان على اليمين قائم على التكريم، والنهي الوارد في مباشرة اليمين للفرج عام فيما إذا كانت هناك آلة أو لم تكن، وقد تقدم أن إباحة لمس اليسار بالفرج إنما هو إذا كان ذلك بآلة، وأما إذا كان ذلك بدون آلة فهي واليمين سواء، فدل ذلك أن الفرق بين اليمين والشمال إنما هو إذا كان اللمس بآلة، ومقتضى قياس الفم واللسان على اليمين المنع من اللمس ولو بآلة، فدل على أن لف الأعضاء التناسلية لا يؤثر في دلالة القياس على التحريم، ومن ثم بطلت هذه الحيلة.

وأمر آخر هو: أن قياس الفم واللسان على اليمين معلل بالتكريم والصيانة مما يهين كما تقدم، ولف الأعضاء المذكور لا يرفع هذه الإهانة فدل على عدم تأثير هذه الحيلة أيضا.

الوجه الثالث: أن القذارة والخبث في المكان أمر لازم له سواء للمرأة أو للرجل، ولا يزول هذا الخبث باللف ونحوه، وقد تقدم أن الخبث من وجوه التحريم وتكلمنا هناك بما لا مزيد عليه، فيلزم من مباشرة هذا المحل ولو كان ملفوفا مباشرة الخبائث والمواضع القذرة، فلا تنفع هذه الحيلة في دفع دلالة هذا الوجه على التحريم. وبهذه الوجوه الثلاثة يتضح وهاء هذه الحيلة الباردة، ويزول إشكالها الذي قد يعلق في النفوس المريضة التي تتعلق بما تتوهم فيه الحيلة والله أعلم.

الشبهة الخامسة: قول بعض الفقهاء والرد عليه

ومما استدل به من ذهب هذا المذهب ما نقله القرطبي في تفسيره (12\ 232) عند قوله تعالى ? وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ? أنه قال: وقد قال أصبغ من علمائنا يجوز أن يلحسه _ أي فرج المرأة -بلسانه اهـ.

وقد أشار الشيخ القاضي محمد كنعان إلى هذا القول في كتابه أصول المعاشرة (ص 99).

وقال زين الدين بن عبد العزيز الليباري في كتابه فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين (3/ 340): (تتمة): يجوز للرجل كل تمتع منها بما سوى حلقة دبرها و لو بمص بظرها أو استنماء بيدها لا بيده اهـ.

و ذكر أبو بكر المشهور بالسيد البكري في حاشية إعانة الطالبين (3/ 340) شارحاً قوله: (ولو بمص بظرها): أي و لو كان التمتع بمص بظرها فإنه جائز اهـ.

ونقل عن غير هؤلاء من العلماء أقوال مشابهة لهذه التي نقلناها.

والجواب على هذه الشبهة من وجهين:

الأول: أن هذا قول مجرد عن الدليل

بل الدليل على خلافه كما تقدم، فلا يعارض بقول لا دليل عليه بالأدلة الثابتة من أجل أن فلانا من العلماء قاله، وحسبنا أن نعلم أن أقوال العلماء يستدل لها ولا يستدل بها.

وذلك أنه قد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن كل قول مهما كان قدر قائله يحتاج إلى دليل معتبر، ومتى لم يقم على صحة قوله دليل لا يجوز لمن عرف ذلك الاعتماد عليه، وهو هنا كذلك.

وهذا هو الذي عليه علماء الإسلام، وقد صحت وصية الأئمة الأربعة في النهي عن اتباع قولهم من غير معرفة دليلهم كما صح عنهم الأمر بضرب قولهم عرض الحائط إن كان مخالفا للدليل الصحيح المعتبر.

ومن عنده دليل معتبر ينقض ما بيناه من الحجج والدلائل فليتحفنا به فليس بين الحق وبين أحد عداوة.

وقد بينا فيما سبق من مباحث الرسالة عدم صحة الاحتجاج بالبراءة العقلية، وأنها لا تصلح دليلا في هذه المسألة وهي عمدة القائلين بالإباحة فيما نعلم.

الوجه الثاني: أن هذا من تتبع زلات العلماء، وقد جاءنا التحذير من ذلك على لسان العلماء، وهذه جملة من أقوالهم:

• قال سليمان التيمي: " لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله " رواه علي بن الجعد في مسنده (1/ 595 رقم 1359)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/ 91 - 92)، والذهبي في السير (6/ 198) والتذكرة (1/ 151)، قال ابن عبد البر عقبه:" هذا إجماع لا أعلم فيه خلافا "أهـ.

• وقال الأوزاعي: "من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام" رواه البيهقي في السنن (10/ 211) وذكره الذهبي في السير

(7/ 125)، والتذكرة (1/ 180)، وروى الحاكم في معرفة علوم الحديث (ص65) و البيهقي من طريقه (10/ 211) عن الأوزاعي أنه قال: " يجتنب من قول أهل العراق خمس، ومن قول أهل الحجاز خمس …"ونقله الذهبي في السير (7/ 131).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير