تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

دخول الكافر المسجد الحرام

- ذهب جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة ومحمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة إلى حرمة دخوله المسجد الحرام، وذهب الحنفية إلى أن التحريم خاص بموسم الحج فقط أي أن المراد هو عدم جواز تمكينهم من الحج والعمرة.

وسأكتفي بذكر الأدلة في هذا الباب من غيرما نقل لأقوال الفقهاء طلبا للاختصار، بخلاف الباب الذي بعده، لأنه موضوع بحثنا.

- أدلة الجمهور

1. قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (1)

2. قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (لا يحج بعد هذا العام مشرك) (2)

إلا أن مذهب الإمام أحمد وعطاء أن المراد من المسجد الحرام: مكة وما حولها من الحرم، واستدلوا بقوله تعالى {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (3)، وقوله {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} (4) وأما الشافعية والمالكية ومحمد بن الحسن فقد جعلوا التحريم خاصا بذات المسجد الحرام ولا يتعداه.

- أدلة الحنفية

1. قوله تعالى {بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (5) فإن تقييد عدم الدخول بهذا اللفظ يدل على اختصاصه بوقت من أوقات العام، أي لا يعتمروا ولا يحجوا بعد هذا العام.

2. قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (ولا يحج بعد هذا العام مشرك) (6)

3. قوله تعالى {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} (7) فإن الخوف من الفقر يكون بسبب انقطاع تلك المواسم ومنع المشركين من الحج والعمرة، لأنهم كانوا يتاجرون في مواسم الحج، مما سيؤدي إلى الضرر بالمصالح المالية، فأخبرهم الله بأنه سوف يغنيهم من فضله.

4. إجماع المسلمين على وجوب منع المشركين من الحج، والوقوف بعرفة، ومزدلفة، وسائر أعمال الحج وإن لم تكن هذه الأفعال في المسجد الحرام.

- الترجيح

الذي يظهر بعد النظر في أدلة الفريقين أن رأي الجمهور هو الراجح وإليك المناقشة:

1. إن علة منع المشركين من دخول المسجد الحرام هي نجاسة الشرك ولذلك قال سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (8) أي فبسبب ذلك لا يجوز لهم أن يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا. وهذه هي علة المنع، ولا يعود الممنوع إلا إذا زال المانع وزوال المانع وهو الشرك لا يكون إلا بإسلامهم وبإسلامهم يعود الممنوع وهو قربهم المسجد الحرام، أي يجوز لهم حينئذ دخوله كغيرهم من المسلمين.

2. وقوله سبحانه {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (9) لفظ عام يؤيد ما ذهب إليه الجمهور، وقول السادة الحنفية أنه يدل على بعض أوقات السنة يحتاج إلى دليل مخصص، فإن قالوا: مخصصنا هو حديث علي الذي جاء في الصحيفة التي أرسله بها سيدنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (ولا يحج بعد العام مشرك) والحج أيام معلومات لا غير، قلنا:

• أولا أنتم تخصصون بخبر الواحد وهذا مخالف لقواعدكم، بأن قصر العام على بعض أفراده لا يكون إلا بسنة متواترة أو مشهورة (10) لأن دلالته على جميع أفراده قطعية وليس هذا منها.

• ثانيا: أن الحديث بمنطوقه يدل على عدم السماح لهم بالحج بعد هذا العام، والظاهر من مفهومه أنه يجوز لهم الدخول إن لم يقصدوه للحج، وهذا غير صحيح، لأن مفهوم المخالفة معطّل وذلك بأنه خرج في الحج مخرج الغالب أي أن مشركي العرب خارج مكة ممن بعُد مُقامه كانوا في الغالب يأتون المسجد الحرام من أجل قضاء مناسك الحج والتجارة، إذن فالسماح لهم في غير أيام الحج يحتاج إلى دليل مستقل.

• ثالثا: إن الله ترك الاستفصال وعمم عدم الدخول، وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال كما هو مقرر عند الأصوليين.

3. قوله تعالى {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (11) فقوله فلا يقربوا لفظ عام، والقرب يشمل الحج وغير الحج.

4. وأما قوله تعالى {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (12) فلا دليل فيها لهم على ما ذهبوا إليه، لأن الله قد تكفل بإغنائكم عنهم من فضله إن شاء، هذا وأنتم في أشد الحاجة إليهم في مواسم الحج والعمرة، دفعا لتوقع الضرر بالمصالح المالية، فكيف وأنتم غير محتاجين إليهم في سائر الأيام.

5. أما إجماع المسلمين على وجوب منع المشركين من الحج، والوقوف بعرفة، ومزدلفة، وسائر أعمال الحج فهو صحيح، ولكن ليس فيه ما يشير إلى التخصيص بالحج وأعماله.


(1) سورة التوبة، الآية 28
(2) البخاري، فتح الباري (8/ 413) كتاب الصلاة / باب حج الناس بأبي بكر سنة تسع، ومسلم مع شرح النووي (9/ 118) كتاب الحج، باب لا يحج البيت مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، وبيان يوم الحج الأكبر. عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(3) سورة الفتح: الآية 24،25
(4) الفتح: الآية27
(5) التوبة: الآية 28
(6) سبق تخريجه وهو في الصحيحين
(7) سورة التوبة، الآية 28
(8) التوبة، الآية28
(9) التوبة، الآية28
(10) ذهب الأحناف إلى أن دلالة العام على جميع أفراده قطعية إذا لم يكن قد خص منه البعض، بخلاف الجمهور. فلذلك قالوا لا يخصصه إلا من كان في مرتبته أي ما كان متواترا أو مشهورا، أي قطعي الثبوت. فإن كان المخصص متراخيا كان نسخا جزئيا، وإن كان مصاحبا كان تخصيصا. مرآة الأصول (1/ 353)، الإحكام (2/ 103)، أصول السرخسي (1/ 133 - 145)
(11) التوبة، الآية28
(12) التوبة، الآية28
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير