والجهاد؟.
ونحن من هذا المنطلق نقول: إن الممثل لكل هذا الإرث الضخم المتميز (وهو المفتي) يجب أن يكون كلامه فاصلاً في مواطن النزاع التي يكثر فيها الأخذ والرد، وتتطلب تجلية وتعليقاً حاسمين، كقضية "شيعي وسني" فمن المعيب - والله - أن يعرف الشيعي منذ نعومة أظفاره من يوالي ومن يعادي؛ وأن لا يعرف السني العادي - بل كثير ممن وُسِّد إليه منصب التوجيه والإرشاد - هذا البند من العقيدة، أعني: الولاء والبراء! وأن لا يهتم أمثال "المفتي المكرم" - ولا نريد أن نقول: لا يعرف ولا يعلم - بهذا البند المهم جداً، وبخاصة في مثل هذه الظروف المضطربة التي يعيش في ظلها المسلمون اليوم.
وقد سئل فضيلة المفتي عن هذه القضية التي اتفق أن تكون معروضة للنقاش عشية تعيينه مفتياً: ما حقيقة هؤلاء الشيعة الذين تبرز جهودهم اليائسة على سطح الأحداث بين الفينة والفينة من أجل العودة إلى أرض الكنانة، أهم جن أم بشر؟ مسلمون أم غير ذلك؟ نريد شيئاً شافياً حاسماً قاطعاً "يضع الهناء مواضع النَّقب" كما يقول المثل العربي القديم فبماذا أجاب فضيلته؟! دعونا نقرأ الجواب أولاً:
"الشيعة أساسها مذهب إسلامي لأنها مذهب فقهي، ونحن ما زلنا ندرس المذاهب الفقهية في جامعة الأزهر، ومنها المذهب الشيعي ... لكن الشيعة كفرقة سياسية من الفرق التي صدرت بعد ذلك فهي فرقة غير فقهية، بل هي فرقة سياسية ضل كثير من أتباعها الطريق الصحيح. ونحن ننظر إلى منهجها وإلى ما تدعو إليه، فإذا كان ما تدعو إليه يتعارض مع الكتاب والسنة وإجماع الفقهاء فنحن نرفضها، وإن كانت دعوتهم تدخل في نطاق أحكام الشريعة الإسلامية فالإسلام لا يمنع أن يكونوا معتدلين. فالشيعة كفرقة سياسية لهم أفكار مرفوضة. لكن الشيعة كمذهب فقهي يعتمد على الكتاب والسنة والإجماع فهو مذهب إسلامي. لكن هذا الكلام أصبح غير موجود إلا في نطاق ضيق. فأي شيعي يتعامل بالكتاب والسنة فهو مسلم مذهبه شيعي، لكن عندما يدعو إلى تضليل الشباب بدعاوى مغرضة أو نكاح المتعة وغيره مما يخالف أحكام الشريعة فهذا أمر مرفوض" (1).
إذا ردَّدنا النظر مرة بعد مرة في هذا الجواب المفكك المضطرب سنلمح أن أقل ما يقال فيه أنه أبقى السؤال بلا جواب، بل زاد الإشكال إشكالات، ورد على الغموض بالغموض، وقد جاء هذا الجواب - مع الأسف - غير مرضٍ لا للشيعة، ولا للسنة.
أما أنه لا يرضي الشيعة فلأنه:
أ - يطلب منهم التخلي عن ما يتعارض مع الكتاب والسنة وإجماع الفقهاء، فماذا سيبقى لهم من مذهبهم إذا فعلوا ذلك لخاطر المفتي؟! أي كتاب، وأي سنة، وأي فقهاء يا شيخ؟!.
ب - ولأنه يطالبهم بالتخلي عما يرونه من ضرورات المذهب كنكاح المتعة، فهل هذا كلام؟.
ج - ولأنه يلزمهم بمصطلحات لا تلزمهم، مثل مصطلحات: الكتاب، والسنة، والإجماع، وهم واضحون كل الوضوح في التبرؤ من هذه المصلطحات، قولاً وعملاً، والالتصاق بمصطلحات أخرى يطلقونها ويدورون حولها هي: حديث الثقلين، والعترة، وغدير خم، والولاية ... الخ، وبالجملة فإن مجرد مخالفتهم للسنة يعتبرونها ديناً، وتصبح عندهم شرعاً يتبع.
وأما أن كلام المفتي الفاضل لا يرضى السنة فلأنه:
أ - لا يظهر منه أن المفتي على اطلاع مرضٍ على رأي أهل السنة في تحديد معاني "التشيع" ومدى ما انتاب هذا المصطلح من تغير وتطور إلى اليوم.
ب - يعتبر الشيعة مذهباً فقهياً، ويعتبر مجرد تدريس شيء في الأزهر جواز تصويب لذلك الشيء، ولا يقول بذلك رجل يحترم العلم.
ج - لم يفصل لنا المفتي النطاق الضيق الذي يوجد فيه شيعة يعتمدون الكتاب والسنة والإجماع: أين يوجدون، وكم عددهم؟!.
د - مادام الشيعة في نظر المفتي "فرقة سياسية غير فقهية؛ ضل كثير من أتباعها الطريق الصحيح" فكيف نعود فنفترض أن هناك "شيعة كمذهب فقهي" وهؤلاء لا يكادون يوجدون إلا على نطاق ضيق، ويفهم من كلامه أنه يدعو ملايين الشيعة أن يدخلوا ضمن هؤلاء حتى ينجوا من "حرم المفتي لهم وحظره عليهم".
¥