تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن كلام المفتي - مع الأسف - تبسيط مخل لقضية من أخطر القضايا التي تواجه المسلمين، وتناوله لها ينبىء عن عدم مبالاة أقرب إلى الهزل منه إلى الجد الذي ينبغي أن يكون سمت العلماء، والمفتين منهم بشكل خاص. ولست أدري ماذا يضر المفتي وأمثاله من الشخصيات السنية الرسمية أن يكونوا بجدية وجرأة آحاد الشيعة وعامتهم دع "آياتهم ومراجعهم".

لو سألت شيعياً من شيعة اليوم: هل تسبون الشيخين: أبا بكر وعمر (2) لقال لك: نعم بلا مداراة ولا مواربة، نعم قد يستعملون "التقية" عندما يكونون في موقف الخائف الرعديد، فيراوغون ويداورون، ولكنهم عندما يأمنون تنطلق ألسنتهم بالإعلان عن ذلك، وتنضح أفواههم بما انطوت عليه قلوبهم المغلولة ونفوسهم الموتورة.

وكدليل على ذلك، مما نسوقه لكثير من المغفلين من أبناء جلدتنا، أصحاب الورع البارد الذين لا تطاوعهم نفوسهم في قول كلمة حق في هؤلاء، بينما يتقحمون بكل جرأة وصفاقة في نعت إخوانهم الذين قد يختلفون معهم في فرعيات أو وسائل، فَيَعِفُّون عن أهل البدعة، ويخوضون في أعراض أهل السنة، أقول: نسوق هذا الدليل لعل قلوباً مغلَّفة ينجاب عنها الجهل، وبصائر مغشاة ينقشع عنها الهوى، فيفهم عاقل، ويعلم جاهل.

التقطت مكالمة هاتفية بين اثنين من رافضة الكويت يحاول أحدهما الإصلاح بين من يتكلم معه وبين ثالث من النِّحلة نفسها، وبينما هما في حمى الجدال حول هذه المسألة الداخلية الشخصية أراد أحدهما - وهو شخصية دينية معممة أصبح نائباً في مجلس أمة الكويت - أن يثبت للمصلح أن الشيعة لا يحترمون بعضهم، وأن هذا الذي اختلف معه لم يقدره حق قدره، ولم يسلم عليه ولم يقم له ... في الوقت الذي إذا دخل شيعي على سنة يحترمونه ويضعونه على رؤوسهم، ويمضي مدللاً على هذه الحقيقة بقوله (3):

"والله أنا أطب عند السنة ما يسوُّون فيّ ها الشكل يا سيدنا (أي أذهب إلى أهل السنة - وهم أعداؤنا - ولكن لا يصنعون بي ما صنع هذا الذي تتكلم عنه وهي شيعي).

ص - أنت كرجل دين عرفت شلون ...

ق - سؤال سؤال سؤال، أنا آبي (أريد) أسألك سؤال: إحنا ما نسب أبو بكر وعمر؟ (يقصد: ألسنا نسب أبا بكر وعمر؟).

ص - نعم.

ق - نسب أبو بكر وعمر، ونلعن أبو أسلافهم، عدل ولا لأ (أي: إننا نسب أبا بكر وعمر سباً شنيعاً ونسب أسلافهم أيضاً، صحيح أم لا؟).

ص - نعم.

ق - لكن لما نروح عند السنة، واحنا نسب العِرْج مالهم (العِرق، يقصد الأصل أو الأساس الذي يفتخرون به)، إِيْ، يحترمونا ويحطونا فوق راسهم! " (أي على الرغم من سبنا لمن هم من أعظم من يفتخرون بهم، يحترموننا ويكرموننا إكراماً عظيماً).

هكذا وبكل وضوح وبُعدٍ عن المواربة يطرح شيعة اليوم عقيدتهم، ولا يستحون من ذلك، ولا يخافون أن يوصفوا باللؤم والجحود عندما يقول لهم قائل: كيف تسبون أعظم شخصيتين بعد الأنبياء عند أهل السنة؛ ولا يثنيكم احترام أهل السنة لكم "ووضعهم لكم على رؤوسهم" (وهذا اعتراف تقولونه راغمين، وستظلون راغمين بحول الله) لا يثنيكم هذا الخلق الرضي ممن تتقربون إلى الله ببغضهم وعداوتهم عن السب والبذاءة واسوداد الطوية الذي يشكل لب عقيدتكم؟!.

لكننا نحن - أهل السنة - لو حاولت ولو همساً أن تبين لكثير من شبابنا الإسلامي ذوي الثقافة المسطحة والقلوب المنخوبة شيئاً عن الفرق بين الرافضة وغيرهم لأوسعك تبرماً ونفوراً مما تقول، وأقل ما يصفك به أنك تثير قضايا قد أصبحت في ذمة التاريخ وعفى عليها الزمن، وتجاوزتها المرحلة!.

وهذا المفتي الكريم ماكان ضره لو طلب من أحد مساعديه أن يناوله كتاباً موثوقاً من كتب الفرق والمذاهب ليقرأ منه تعريفاً لهذا المذهب المسؤول عنه، وبماذا يفترق عن غيره من أمهات المسائل لا جميعها؟ ولم يسمح لنفسه أن يقول بغير علم فيتخبط هذا التخبط الذي لا نرتضيه له، ويقع في محذور قوله تعالى: {قل: إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والإثم والبغي بغير الحق، وأن تشركوا بالله مالم ينزل به سلطاناً، وأن تقولوا على الله مالا تعلمون} [الأعراف: 33].

إنه لو فعل ذلك لأنصف نفسه، وأنصف العلم، وأنصف الأمة التي ينتمي إليها، والتي يعبث بها العابثون من كل ملة.


(1) - هناك حملة محمومة من الشيعة لترسيخ أقدامهم في الشام من ترميم بعض القبور المهجورة في بعض الأحياء، والمقامات، لتكون مركز جذب للعامة، وكذلك هم ناشطون إعلامياً وثقافياً ولا رقابة حقيقية ولا تضييق على مؤلفاتهم ونشراتهم وصحفهم.

(2) - مجلة الشراع اللبنانية الشيعية، العدد: 757، 25/ 11/1996، ص 17.

(1) - القدس العربي (الخميس 28/ 11/1996) نقلاً عن جريدة اللواء الإسلامي الصادرة في مصر في: 27/ 11/1996.

(2) - وبالأحرى إن من يسب الشيخين يسب من دونهما من الصحابة، ولو جردت عقيدة الرافضة ومذهبهم من السب لما بقي من هذا المذهب إلا مخالفاتهم العنادية لأهل السنة.

(3) نقلنا هذا الكلام - وهو بعامية الكويت - من شريط مسجل عرضاً هناك، وانتشر بين الناس، وتأتي قيمته أنه لم يسجل عن سابق تخطيط من جهة، وأنه بين رافضة فقط، ورمزنا إلى أحد طرفي الحوار بـ (ص) وإلى الآخر بـ (ق) وما بين الأقواس من التحرير شرحاً للمقصود
المصدر: مجلة السنة - العدد 62
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير