تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أيها الصاحب الماجد – لا زلت مسددا – نعم لا بد من تحريك السواكن، وإثارة الشجون حتى نسمع هذه الكلمات ... وتتحفنا بمثل هذه العظات، فيخبو ما علا النفسَ من عجب ودلال، وتدفع عنها ما أحاط بها من جهل وضلال.

وحديثي إنما كان إلى من انتسب إلى هذه الطائفة المنصورة في هذا الملتقى، فقد جمعنا الانتساب إلى تلك الطائفة، وألف بينكم العلم الذي هو رحم بين أهله ... (تحول الضمائر مقصود) فمن يتحلى بجميل الخصال، ومليح الفعال؛ إذا لم يكن من جمع بين سلامة المنهج وصحته، ووفرة العلم وقوته؟!!

أليس سلوك المرء وفعله؛ الدليل الناصع على حسن المعتقد وسلامته؟

أليس الأدب وحسن الخلق ... علامة أهل العلم التي يتميزون بها عن العوام؟

أليسوا حملة الشرعية؛ التي جاء من أوحيت إليه ليتتم مكارم الأخلاق؟

ألستُ - وغيري من غير طلبة العلم - ضيوفا بينكم فحقنا الإكرام فنحن قوم عرب، نحب المضياف الكريم؛ وإن قصرنا في الوفاء بحقكم علينا من الأدب والتبجيل والتكريم؟

ألم نتعلم منكم: أنكم تنظرون إلى سمت الشيخ وهديه ... قبل أن تأخذوا عنه العلم، فاحذرونا وإن كنا من العوام لكن في بعضنا من الفطنة ما تدعوه أن يفرق بين من كان أدب العلم باديا في قلمه ولسانه، وبين من هو عكس ذلك تماما، وبين من قارب ... أما أنّ ما تقولونه لنا حكاية عن أهل الزمان الأول، وسُوقُه لم تنفق بينكم اليوم؟

لماذا يكون نصيبنا من البعض منكم السخرية والاستهزاء إذا أخطأنا - أو ظننتم أننا أخطأنا - أليس الأخذ بالحسنى بنا أولى؟

يا ويحنا ألم نتدبر في قول الله تعالي: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون}.

أم على قلوب أقفالها، فلم تعِ ولم تفقه ما تتلو صباح مساء؟

هل غيرنا فَقِه من كتابنا أكثر مما علمنا وفهمنا؟

ألم يبلغ مسامعهم قول الكافر اللئيم جيمس فليت، وهو يبين أن أقصر طريق لكسب عداوة الآخرين السخرية بهم؟

فاسمعه يقول: (إنك حين تسخر من أي فرد، ستنقص من ذاته، وستدمر إحساسه بالكبرياء والأهمية، إن السخرية تشوه نفسية الناس وتعوقهم، وكثيرا ما يستمر التشويه إلى الأبد، إن الإنسان يمكنه أن يتحمل أي إهانة أو هزيمة أو جرح ... ولكن حين تسخر من أي فرد، أو تنتقص من شأنه، وبخاصة أمام الآخرين؛ فسوف تكسبه عدوا لبقية حياتك، إنك بهذا لن تكون قد اعتديت على ذاته وجرحت كبرياءه فحسب، ولكنك ستكون أيضا قد اعتديت على إحساسه باحترام النفس والكرامة وتقدير الذات).

ولسنا عن الاستثناءات نتحدث، وإنما على الأصل في العلاقات والمحاورات، وما تقدم من كلام الكافر أصل، فلا نتجاوزه.

وإنما أوردت كلام الكافر المتقدم لأبين أنهم قد علموا من أخلاق ديننا ما أغفلناه، بل تحلو منه بما هجرناه من الخلق الفاضل وتركناه، فلله درنا ما أجهلنا، وما أشد الغفلة التي ضربت بخيامها على قلوبنا، وكأنها وجدت مرتعا خصبا، ومربعا خلا من الأدب فلم تتجاوزه رفقا ولا قسرا.

ألم تجعلوا – أيها الأحباب – من مقولة: التصفية والتربية – وأنعم بها – شعارا ودثارا؟!! فهذه التصفية قد رأينا منها قسطا وافرا، فأين التربية؛ فقد خلت منها ربوع الكثيرين فأضحت خواء قافرة.

أم أن ما يتناقله بعض طلبة العلم من قول أسد السنة ريحانة الشام – عليه رحمات ربي تترى -: لقد علّمت وما ربيت – أو ما معناه -. قد صحت بالسند المتصل، والعمل الموافق لما نُقل؟!!

أنا أجزم بأن هذا القول لو صح، لكان من باب التواضع، أو أنه يرى التقصير في أنه لم يعط هذا الأمر حقه من الاهتمام، لانشغاله بالتحقيق والتدقيق، والأولى أن يقال: إنه ربّى عملا بهديه وسلوكه، ولكن قد عميت من البعض الأبصار، فلم يروا مابين أيديهم من هدى لا في ليل ولا في نهار.

وأحدثك عن نفسي – وهو شر الحديث - فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد رأيت موقفا من شيخ الإسلام بحق - ولم أره عيانا في حياتي إلا تلك المرة وكانت لحظات عند باب بيته بالششة - لازلت أشعر بأثره في نفسي إلى ساعتنا هذه، وكلما تذكرته أحدث في نفسي لوعة وألما على أني لم أحظ بمجاورته والتتلمذ عليه، والأخذ من هديه والتحلي بخلقه وفضله - قبح الله الظلم والاستبداد الذي حرمني ذلك – وحصل معي بعد سنوات مثل ذلك مع إمام آخر وقفت أسلم عليه أمام باب مسجده في جبل ... فكان منه في لحظات ما لا أنساه إلى الممات؛ فإذاً هي اللمحات واللفتات و الإيماءات التي تزرع في النفوس الأدب ... وترفع عنها السوء والعطب، فكيف يكون حال من جاورهما السنين الطوال، واغترف من علمهما وهديهما، لا شك أنه شامة بين أقرانه، ونفع خالص لأحبابه وجيرانه، وهذا يكون لمن أبصر وتدبر، ولا يكون لمن تجبر وأعماه الغرور وتكبر.

لعلك أيها الفاضل تتسأل في نفسك عن هذين العلمين، والإمامين الجليلين، ولن تستغرب إذا عرفتَهما، فالشئ من معدنه لا يستغرب، فالأول العلامة الرباني ابن باز، والآخر أسد السنة الهمام الألباني – عليهما رحمة ربي تترى، وجازاهما عنا بأفضل ما جزى علماء الأمة -.

لقد أطلت عليك أيها المحب، فإن كانت فائدة فلعلها تدفع ثقل التطويل، وإن كانت الأخرى فهذا أنموذج على ما قيل، ولله الأمر من قبل ومن بعد، ويومئذ يفرح المتأدبون بمحبة الله، ويجدون أثر حسن الأدب .. يوم لا ينفع المرء – بعد عفو الله - إلا ما قدمت يداه.

أحبَّتنا ما البعد شيئاً نُطيقه - - ولكنه من جملة الحكم في الأَزَلْ

أحبتنا ألبابنا تستطيرها - - إليكم علاقات الصفاء ولا تسل

بنا ظمأ اللقيا ونار من الأسى - - ولولا التأسي ذابَ من حرها الجبل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير