ألبس للناس لباسين ليس للعاقل بدٌّ منهما؛ ولا عيش ولا مروءة إلا بهما: لباسُ انقباض واحتجاز تلبسه للعامة؛ فلا تلفين إلا متحفظاً متشدداً متحرزاً مستعداً، ولباسُ انبساط واستئناس تلبسه للخاصة من الثقات؛ فتتلقاهم ببنات صدرك وتُفضي إليهم بموضع حديثك، وتضعُ عنك مؤونة الحذر والتحفظ فيما بينك وبينهم، وأهل هذه الطبقة الذين هم أهلها قليل؛ لأن ذا الرأي لا يُدخل أحداً من نفسه هذا المدخل إلا بعد الاختبار والسبر والثقة بصدق النصيحة ووفاء العهد.
ـ[مصطفى الفاسي]ــــــــ[25 - 05 - 05, 03:28 م]ـ
- أمن العدو مخاطرة -
العاقل لا يأمن عدوه على كل حال، إن كان بعيداً لم يأمن مغادرته، وإن كان قريباً لم يأمن مواثبته، والعاقل لا يخاطر بنفسه في الانتقام من عدوه، لأنه إن هلك في قصده قيل: أضاع نفسه، وإن ظفر قيل: القضاء فعله، والمعاداة بعد الخُلّة فاحشة عظيمة، لا يليق بالعاقل ارتكابها، فإن دفعه الوقت إلى ركوبها ترك للصلح موضعاً.
- اتفاق الأرواح -
إن من الناس من إذا رآه المرء يعجب به، فإذا ازداد به علماً ازداد به عجباً، ومنهم من يبغضه حين يراه، ثم لا يزداد به علماً إلا ازداد به مقتاً، فاتفاقهما يكون باتفاق الروحين قديماً، وافتراقهما يكون بافتراقهما، وإذا ائتلفا ثم افترقا فراق حياة من غير بُغض حادث، أو فراق ممات، فهناك الموت الفظيع، والأسف الوجيع، ولا يكون موقف أطول غُمة، وأظهر حسرة وأدوم كآبة، وأشد تأسفاً، وأكثر تلهفاً من موقف الفراق بين المتواخيين، وما ذاق ذائق طعماً أمرَّ من فراق الخلّين وانصرام القرينين.
- من صفات العقلاء الاعتذار عند كل زلة -
الاعتذار يذهب الهموم، ويُجلي الأحزان، ويدفع الحقد، ويذهب الصد، والإقلال منه تستغرق فيه الجنايات العظيمة والذنوب الكثيرة، والإكثار منه يؤدي إلى الاتهام وسوء الرأي، فلو لم يكن في اعتذار المرء إلى أخيه خصلة تُحمَد إلا نفي التعجب عن النفس في الحال؛ لكان الواجب على العاقل أن لا يفارقه الاعتذار عند كل زلة.
- من أراد الفضائل فليعمل بالوصية -
لا تجادلن العلماء فتهون عليهم ويرفضوك، ولا تمارين السفهاء فيجهلوا عليك ويشتموك، فإنه يلحق بالعلماء من صبر ورأى رأيهم، وينجو من السفهاء من صمت وسكت عنهم، ولا تحسبن أنك إذا ماريت الفقيه إلا زدته غيظاً دائباً، ولا تحمين من قليل تسمعه فيوقعك في كثير تكرهه، ولا تفضح نفسك لتشفي غيظك، فإن جهل عليك جاهل فلينفعنّ إياك حلمك، وإنك إذا لم تحسن حتى يحسن إليك فما أجرُك؟؛وما فضلك على غيرك؟ .. فإذا أردت الفضيلة فأحسن إلى من أساء إليك، واعف عمن ظلمك، وانفع من لم ينفعك، وانتظر ثواب ذلك من قبل الله، فإن الحسنة الكاملة هي التي لا يريد صاحبها عليها ثواباً في الدنيا.
ـ[مصطفى الفاسي]ــــــــ[28 - 05 - 05, 01:00 م]ـ
- معالجة عيوب النفس -
العاقل لا يخفى عليه عيب نفسه، لأن من خفي عليه عيب نفسه خفيت عليه محاسن غيره، وإن من أشد العقوبة للمرء أن يخفى عليه عيبه، لأنه ليس بمقلع عن عيبه من لم يعرفه، وليس بنائل محاسن الناس من لم يعرفها، وما أنفع التجارب للمبتدي.
- التواضع رفعة -
متواضع العلماء أكثرهم علما؛ كما أن المكان المنخفض أكثر البقاع ماء
- تعاهد القلب وحراسته -
الواجب على العاقل الاهتمام بإصلاح سريرته، و القيام بحراسة قلبه عند إقباله وإدباره، وحركته وسكونه، لأن تكدر الأوقات وتنغص اللذات لا يكون إلا عند فساده.
فعلى العاقل أن لا ينسى تعاهد قلبه بترك ورود السبب الذي يورث القساوة له عليه، لأن بصلاح الملك تصلح الجنود، وبفساده تفسد الجنود، فإذا اهتم بإحدى الخصلتين تجنب أقربهما من هواه، وتوخى أبعدهما من الردى.
- من جميل الخصال -
ثلاثة من أحسن الأشياء: جودٌ لغير ثواب؛ ونصب لغير دنيا؛ وتواضع لغير ذلة
- إيذاء من اطلع على السر مفسدة -
عجبا من المسيء الجوار؛ المؤذي لجاره؛ وهو مطلع على أخباره؛ وعالم بأسراره يجعله عدوا؛ إن علم خير أخفاه؛ وإن توهم شرا أفشاه؛ فهو قذاة في عينه؛ لا يطرف عنها؛ وشجى في حلقه ما يتسوّغ معه؛ فليته إذ لم يكرم مثواه؛ كفّ عنه أذاه؛ فإنما المرء دنياه
ـ[أبو حازم فكرى زين]ــــــــ[28 - 05 - 05, 02:23 م]ـ
الشيخ المسدد مصطفى الفاسي
بحثٌ جيد، ونقولاتٌ طيبة، ودررٌ بهية
جزاكم الله خيراً
¥