تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ذلل نفسك بالصبر على جار السوء وعشير السوء و جليس السوء، فإن ذلك ما لا يكاد يخطئك، فإن الصبر صبران: صبر الرجل على ما يكره، وصبره عما يحب، فالصبر على المكروه أكثرهما وأشبههما أن يكون صاحبه مضطراً، واعلم أن اللئام أصبر أجساداً؛ والكرام أصبر نفوساً، وليس الصبر الممدوح بأن يكون جلد الرجل وقاحاً؛ أو رجله قوية على المشي؛ أو يده قوية على العمل، فإنما هذه من صفات الحمير، ولكن أن يكون للنفس غلوباً؛ وللأمور محتملاً؛ وفي الضر متجملاً، ولنفسه عند الرأي والحفاظ مرتبطاً؛ وللحزم مؤثراً؛وللهوى تاركاً؛ وللمشقة التي يرجو عاقبتها مستخفاً، وعلى مجاهدة الأهواء والشهوات مواظباً؛ ولبصره بعزمه منفذا.

- حبب إلى نفسك العلم حتى تألفه -

حبب إلى نفسك العلم حتى تألفه وتلزمه، ويكون هو لهوك ولذاتك وسلوتك وبلغتك، واعلم أن العلم علمان: علم للمنافع وعلم لتزكية العقول، وأفشى العلمين وأجدهما أن ينشط له صاحبه من غير أن يحرض عليه علمُ المنافع، وللعلم الذي هو ذكاء العقول وصقالها وجلاؤها فضيلة ومنزلة عند أهل الفضل في الألباب.

- لا تخبر عدوك بعداوتك له -

ليكن مما تنظر فيه من أمر عدوك وحاسدك أن تعلم أنه لا ينفك أن تخبر عدوك أنك له عدو، فتنذره بنفسك وتؤذنه بحربك قبل الإعداد والفرصة؛ فتحمله على التسلح لك وتوقد ناره عليك.

واعلم أنه أعظم لخطرك أن يرى عدوك أنك لا تتخذه عدواً؛ فإن ذلك غرةٌ له؛ وسبيلٌ لك إلى القدرة عليه، فإنْ أنت قدرت فاستطعت اغتفاراً لعداوته عن أن يكافيء بها، فهنالك استكملت عظيم الخطر، وإن كنت مكافئاً بالعدواة والضرر فإياك أن تكافيء عداوةَ السر بعدواة العلانية؛ وعداوةَ الخاصة بعداوة العامة، فإن ذلك هو الظلم والعار، واعلم مع ذلك أنه ليس كل العداوة والضرر يكافأ بمثلها؛ كالخيانة لا تكافأ بالخيانة؛ والسرقة لا تكافأ بالسرقة.

إن من عدوك من تعمل في هلاكه؛ ومنهم من تعمل في البعد عنه؛ فاعرفهم على منازلهم، ومن أقوى القوة لك على عدوك وأعز أنصارك في الغلبة له أن تحصي على نفسك العيوب والعورات كما أحصيتها على عدوك، وتنظر عند كل عيب تراه أو تسمعه لأحد من الناس هل قارفت مثله أو مشاكله، فإن كنت قارفت منه شيئاً فأحصه فيما تحصي على نفسك؛ حتى إذا أحصيت ذلك كله فكابر عدوك بإصلاح عيوبك؛ وتحصين عوراتك وإحراز مقاتلك، وخذ نفسك بذلك ممسياً مصبحاً؛ فإذا آنست منها دفعاً لذلك أو تهاوناً به؛ فاعدد نفسك عاجزاً ضائعاً خائباً معوراً لعدوك ممكناً له من رميك، وإن حصل من عيوبك بعض ما لاتقدر على إصلاحه من أمر قد مضى يعيبك عند الناس ولا تراه أنت عيباً؛ فاحفظ ذلك؛ وما عسى أن يقولَ فيه قائل من حسبك أو مثالب آبائك أو عيب إخوانك، ثم اجعل ذلك كله نصب عينيك؛واعلم أن عدوك مريدك بذلك فلا تغفل عن التهيؤ له؛ والإعداد لقوتك وحجتك وحيلتك فيه سراً وعلانيةً، فأما الباطل فلا تروعن به قلبك، ولا تشتغلن به فإنه لا يهولك مالم يقع، وإذا وقع اضمحل.

ـ[مصطفى الفاسي]ــــــــ[09 - 06 - 05, 11:13 م]ـ

- لا يرد على السفيه بسفه -

اعلم أنك ستبتلى من أقوام بسفه؛ وأن سفه السفيه سيطلع لك منه حقداً؛ فإن عارضته أوكافأته بالسفه؛ فكأنك قد رضيت ما أتى به فاجتنب أن تحتذي مثاله، فإن كان ذلك عندك مذموماً فحقق ذمك إياه بترك معارضته، فأما أن تذمه وتمتثله فليس ذلك لك سداداً.

- الافتقار إلى الناس والاستغناء عنهم -

ليجتمع في قلبك الافتقار إلى الناس والاستغناء عنهم، فيكون افتقارك إليهم في لين كلمتك وحسن بشرك؛ ويكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك وبقاء عزك.

- لا تجالس امرءاً بغير طريقته -

لا تجالس امرءاً بغير طريقته، فإنك إن أردت لقاء الجاهل بالعلم؛ والجافي بالفقة؛ والعي بالبيان؛ لم تزد على أن تضيع عقلك؛ وتؤذي جليسك بحملك عليه ثقل ما لا يعرف، وغمك إياه بمثل ما يغتم به الرجل الفصيح من مخاطبة الأعجمي الذي لا يفقه، واعلم أنه ليس من علم تذكره عند غير أهله إلا عادوه ونصبوا له ونقضوه عليك وحرصوا على أن يجعلوه جهلاً، حتى أن كثيراً من اللهو واللعب الذي هو أخف الأشياء على الناس ليحضره من لا يعرفه فيثقل عليه ويغتم به.

ـ[مصطفى الفاسي]ــــــــ[12 - 06 - 05, 05:31 م]ـ

- الحق يؤخذ ممن جاء به -

لا يمنعك صغر شأن امريء من اجتناء ما رأيت من رأيه صواباً؛ والاصطفاء لِما رأيت من أخلاقه كريماً، فإن اللؤلؤة الفائقة لا تهان لهوان غائصها الذي استخرجها.

- أعظم السرور صحبة الاخوان -

الواجب على العاقل أن يعلم أنه ليس من السرور شيء يعدل صحبة الإخوان، ولا غم يعدل غم فقدهم، ثم يتوقى جهده مُفاسدة من صافاه، ولا يسترسل إليه فيما يشينه، وخير الإخوان من إذا عظمته صانك، ولا يعيب أخاه على الزلة، فإنه شريكه في الطبيعة، بل يصفح ويتنكب محاسدة الإخوان، لأن الحسد للصديق من سقم المودة كما أن الجود بالمودة أعظم البدل، لأنه لا يظهر ود صحيح من قلب سقيم، وليحذر المرء في إخائه ألم التثقيل على أخيه، لأن من ثقل على صديقه خف على عدوه، وإن من أعظم المعونة على تسلية الهم الرضا بالقضاء، ولقيا الإخوان.

- أخوة من لاتنفع أخوته .. داء -

الواجب على العاقل أن يعد في الأدواء إخاء من لم يُواته في الضراء؛ ولم يشاركه في السراء، ورب أخي إخاء خيرٌ من أخي ولادة، ومن أتم حفاظ الأخوة تفقد الرجل أمور من يوده.

- لا تثقّل على إخوانك فيملّوك -

الواجب على العاقل أن يعلم أن الغرض من المؤاخاة ليس الاجتماع والمؤاكلة والمشاربة؛ فالسّراق يدخلون الرجال على التقارف، ولا يزدادون بذلك مودة، ولكن من أسباب المؤاخاة التي يجب على المرء لزومها مشي القصد؛ وخفض الصوت؛ وقلة الإعجاب؛ ولزوم التواضع؛ وترك الخلاف، ولا يجب على المرء أن يكثر على إخوانه المؤونات فيبرمهم، لأن المرضع إذا كثر مصه ربما ضجرت أمه فتلقيه، ولا ينبغي لمن قدر أن يمنع أخاه من شيئ يحتاج إليه ليجبر به مصيبته، أو يفرج به كربته، والعاقل لا يؤاخي لئيماً، لأن اللئيم كالحية الصماء، لا يوجد عندها إلا اللدغ والسم، ولا يصل اللئيم ولا يؤاخي إلا عن رغبة أو رهبة، والكريم يودُ الكريم على لقية واحدة، ولو لم يلتقيا بعدها أبداً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير