النسائي مثلاً مشهورٌ عنه أنه متشدد. لكني وجدت أن ذلك في كثير الحديث فقط. لكنه متساهل جداً في توثيق المجاهيل حتى ممن لم يرو عنه إلا واحد. وهو بذلك يشابه ابن حبان كثيراً. قال الذهبي في "الموقظة": .
فعلى سبيل المثال فإن البيهقي والدراقطني لم يهتما بقول النسائي عن خشف بن مالك أنه ثقة. بل اعتبراه مجهولاً. والفرق بين الدارقطني والنسائي أن الأول لا يوثق المجهول حتى يروي عنه اثنين. أما النسائي فهو يمشي على منهج ابن حبان في توثيق من لم يرو عنه إلا واحد (زيد بن جبير في هذا المثال).
وقد أجد الراوي من الطبقة الثالثة مثلاً يقول عنه ابن المديني أنه مجهول لم يرو عنه إلا واحد. وأجد النسائي (على تأخر زمنه النسبي) قد وثقه أو قال لا بأس فيه. مع أنه ليس له إلا بضعة أحاديث عن تابعي واحد، ولم يرو عنه إلا رجل واحد.
وابن سعد كثيراً ما يوثق الراوي رغم قلة حديثه (باعترافه). وقد أجد وصف حال هذا الراوي مطابقة لقول شيخه الواقدي، أي أنه قد اعتمد بتوثيقه على قول الواقدي المتروك. ولطالما نبه ابن حجر على ذلك. وقال في مقدمة فتح الباري (1\ 443): «ابن سعد يقلد الواقدي. والواقدي على طريقة أهل المدينة في الانحراف على أهل العراق».
والمشكلة هو ماذا نفعل فيمن يوثقهم إلا هؤلاء؟!
=======
ثم إني قد وجدت اضطراباً في منهج هؤلاء أيضاً. فقد رأيت الحافظ الدارقطني -رحمه الله- يجهّل العالية امرأة أبي إسحاق السبيعي (رغم رواية زوجها وابنها عنها وهما من هما)، لأنها تنقل خبراً يعارض مذهبه الشافعي. وقد رد عليه ابن الجوزي. لكنه في المقابل يوثق رجلاً مجهولاً لم يرو عنه إلا مكحول وليس له إلا حديث واحد في القراءة خلف الإمام (وهو المذهب الشافعي) رغم أن خبره شاذ.
ولا ريب أنه لم يفعل ذلك عن قصد منه. ونحن نأخذ أفعال علماء المسلمين على أحسن محمل. فكيف بأمير المؤمنين في الحديث في عصره؟ لكنه غير معصوم أيضاً على أن يخالف مذهبه في التوثيق الذي نص عليه.
========
وقد ناقشت الإخوة في هذه القضية هنا:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?s=&threadid=3260
إجمالاً فالمشكل في هذه المسألة أني وجدت الكثير من هؤلاء الرواة لم يوثقهم إلا من كان من أصحاب المذهب الثاني. بعض هؤلاء هم مجاهيل فعلاً (إما نص واحد على ذلك، أو لم يكن له إلا بضعة أحاديث ولم يرو عنه إلا واحد). لكن من هؤلاء من أخرج له مسلم في صحيحه، خاصة من قدماء التابعين. فهذا هو الذي يجعلني أحتار كثيراً في أحاديث هؤلاء.
وليتك يا شيخنا الفاضل تخصص لهذا الموضوع كتيّباً من كتبيّباتك القيمة المفيدة. فقد عرفت فيك بعد النظر وسعة الاطلاع وحسن الفهم ما يقل أن يوجد عند غيرك. والموضوع شائك يحتاج فعلاً لكلمة أطول من "نعم" أو "لا". وجزاك الله خيراً على جهودك، وبارك بك.
محمد الأمين
[email protected]
ـ[أبو تيمية إبراهيم]ــــــــ[23 - 09 - 02, 09:47 ص]ـ
نرحب أشد ترحيب و أكبره بفضيلة الشيخ البحاثة الناقد: حمزة المليباري، و نسأل الله أن يبارك فيه و في علمه ..
و قد حصل لي شرف رؤية الشيخ بمدينة قسنطينة البهية خارج مبنى الجامعة الإسلامية بها، لكن لم يحصل لي السماع من شخصكم الكريم!
و أستأذنكم في طرح بعض ما لدي من أسئلة:
أولاها: هل الحديث الحسن الإسناد -على حد المتأخرين - له حقيقة عند المحدثين؟ بل حقيقة في واقع الأمر؟
و 2 - و ما رأيكم في التسامح في باب الأثار الموقوفة و ما دونها من حيث قبول رواية من تكلم فيه قليلا أو كان فيه سوء حفظ، بشروط و ضوابط / مثل أن لا تعارض شيئا ثابتا عن قائل الأثر أ و لا تكون مما يخالف أصلا ثابتا في أصل الشرع و هكذا؟
و 3 - ما رأيكم في تعارض رواية الثقة و الضعيف، هل تقديم رواية الثقة مطرد، فإنك تجد من الأئمة من يرجح أحيانا رواية الضعيف أو من تكلم فيه على رواية غيره ممن هو أعلى منه ثقة و ضبطا و يقول: هي أشبه بالصواب لاحتفافها بقرينة كلزوم الثقة للجادة أو كون المتن منكرا أو غير ذلك من القرائن المعرفة بخطأ الراوي أو احتمال خطئه؟
4 - و هل رواية المتروك لا تصلح للاعتبار مطلقا؟ و إن كانت لا تصلح فما تعليقكم على عبارة الترمذي فيما يقول عنه حديث حسن قال (كل حديث يروى .. و فيه لا يكون في سنده كذاب) فهل يعني أن روايات المتروكين تدخل ضمن حد الحسن عنده؟ أو هل يعني أن الحسن عنده لا يراد به النوع المحتج به؟ أو يدخل فيه ما يكون حجة و ما دونه؟
و قد الدارقطني و هو يعلل حديث يروى عن أبي هريرة و قد حصل فيه اضطراب من رواته الثقات: (ورواه عبد الله بن زياد بن سمعان عن المقبري عن القعقاع عن حكيم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشبهها بالصواب و إن كان ابن سمعان متروكا) العلل 8/ 159
5 - و ما هو رأيكم في مسالة اشتراط السماع و اللقي من عدمه بين المتعاصرين و هل اطلعت على ما كتبه الشيخ حاتم العوني؟
بارك الله فيكم
¥