تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المصحف وبين ثبوت الكلام فيها بين واضح فإن الموجودات لها أربع مراتب

مرتبة في الأعيان ومرتبة في الأذهان ومرتبة في اللسان ومرتبة في البنان فالعلم يطابق العين واللفظ يطابق العلم والخط يطابق اللفظ

فإذا قيل أن العين في الكتاب كما في قوله وكل شيء فعلوه في الزبر فقد علم أن الذي في الزبر إنما هو الخط المطابق للعلم فبين الأعيان وبين المصحف مرتبتان وهي اللفظ والخط وأما الكلام نفسه فليس بينه وبين الصحيفة مرتبة بل نفس الكلام يجعل في الكتاب وإن كان بين الحرف الملفوظ والحرف المكتوب فرق من وجه آخر غلا إذا أريد أن الذي في المصحف هو ذكره والخبر عنه مثل قوله تعالى: {وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك} إلى قوله: {وإنه لفي زبر الأولين * أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل} فالذي في زبر الأولين ليس هو نفس القرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم فإن هذا القرآن لم ينزل على أحد قبله صلى الله عليه وسلم ولكن في زبر الأولين ذكر القرآن وخبره كما فيها ذكر محمد صلى الله عليه وسلم وخبره كما أن أفعال العباد في الزير كما قال تعالى: {وكل شيء فعلوه في الزبر} فيجب الفرق بين كون هذه الأشياء في الزبر وبين كون الكلام نفسه في الزبر كما قال تعالى: {إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون} وقال تعالى: {يتلو صحفا مطهرة * فيها كتب قيمة} فمن قال إن المداد قديم فقد أخطا ومن قال ليس في المصحف كلام الله وإنما فيه المداد الذي هو عبارة عن كلام الله فقد أخطأ بل القرآن في المصحف كما أن سائر الكلام في الورق كما عليه الأمة مجمعة وكما هو في فطر المسلمين فإن كل مرتبة لها حكم يخصها وليس وجود الكلام في الكتاب كوجود الصفة بالموصوف مثل وجود العلم والحياة في محلهما حتى يقال إن هذه الله حلت بغيره أو فارقته ولا وجود فيه كالدليل المحض مثل وجود العالم الدال على الباري تعالى حتى يقال ليس فيه إلا ما هو علامة على كلام الله عز وجل بل هو قسم آخر

ومن لم يعط كل مرتبة مما يستعمل فيها أداة الظرف حقها فيفرق بين وجود الجسم في الحيز وفي المكان ووجود العرض للجسم ووجود الصورة بالمرآة ويفرق بين روية الشيء بالعين يقظة وبين رؤيته بالقلب يقظة ومناما ونحو ذلك وإلا اضطربت عليه الأمور وكذلك سؤال السائل عما في المصحف هل هو حادث أو قديم سؤال مجمل فإن لفظ القديم أولا ليس مأثورا عن السلف وإنما الذي اتفقوا عليه أن القرآن كلام الله غير مخلوق وهو كلام الله حيث تلي وحيث كتب وهو قرآن واحد وكلام واحد وإن تنوعت الصور التي يتلى فيها ويكتب من أصوات العباد ومداد ثم الكلام كلام من قاله مبتدئا لا كلام من بلغه مؤديا فإذا سمعنا محدثا يحدث بقول النبي صلى الله عليه وسلم [إنما الأعمال بالنيات] قلنا هذا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظه ومعناه مع علمانا أن الصوت صوت المبلغ لا صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا كل من بلغ كلام غيره من نظم ونثر

ونحو إذا قلنا هذا كلام الله لما نسمعه من القارىء ونرى في المصحف فالإشارة إلى الكلام من حيث هو هو من قطع النظر عما اقترن به البلاغ من صوت المبلغ ومداد الكاتب فمن قال صوت القارىء ومداد الكاتب كلام الله الذي ليس بمخلوق فقد أخطأ وهذا الفرق الذي بينه الإمام أحمد لمن سأله وقد قرأ قل هو الله أحد فقال هذا كلام الله غير مخلوق فقال نعم فنقل السائل عنه أنه قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فدعا به وزبره زبرا شديدا وطلب عقوبته وتعزيزه وقال أنا قلت لك لفظي بالقرآن غير مخلوق فقال لا ولكن قلت لي لما قرآت قل هو الله أحد هذا كلام الله غير مخلوق قال فلم تنقل عني ما لم أقله فبين الإمام أحمد أن القائل إذا قال لما سمعه من المبلغين المؤدين هذا كلام الله فالإشارة إلى حقيقته التي تكلم الله بها وإن كنا إنما سمعناها ببلاغ المبلغ وحرته وصوته فإذا أشار إلى شيء من صفات المخلوق لفظه أو صوته أو فعله وقال هذا غير مخلوق فقد ضل وأخطأ فالواجب أن يقال القرآن كلام الله غير مخلوق فالقرآن في المصاحف كما أن سائر الكلام في المصحف ولا يقال أن شيئا من المداد والورق غير مخلوق بل كل ورق ومداد في العالم فهو مخلوق ويقال أيضا القرآن الذي في المصحف كلام الله غير مخلوق والقرآن الذي يقرآن المسلمون كلام الله غير

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير