ولقد أثير استخدام العلم في تفسير القرآن الكريم منذ زمن بعيد؛ فقد رأى بعض علماء المسلمين أنه يجب أن يصان القرآن الكريم فلا يعرَّض للنظريات العلمية التي تتسم بالتغير. لكن هناك من ينادي بضرورة الاستئناس بالعلوم الحديثة في الكشف عما يسمونه بـ"الإعجاز العلمي" في القرآن الكريم. ويلحظ المطلع على الكتب التي تؤلفها هذه الفئة الأخيرة، أنها تمتلئ باستخدام النظريات العلمية والكشوف الطبية والكيميائية والأحيائية لتفسير الآيات القرآنية. لكن الفاحص لهذه الكتب سيجد أن كثيرا منها يبلغ حدودا من السخف والإدعاء لا تطاق.
ويعد استخدام الدكتور عبد الصبور شاهين لبعض نظريات الأحياء في تمييزه بين "البشر" الذي يمثل طورا قديما و"الإنسان" الذي يمثل طورا أحدث من باب تعريض القرآن الكريم للنظريات العلمية المتغيرة بطبيعتها.
كما يتضمن الكتاب أمثلة أخرى لاستخدام "العلم" في تفسير بعض الآيات الكريمة. ومن ذلك ما أورده في تفسير قوله تعالى: "فلينظر الإنسان مم خُلق. خُلق من ماء دافق. يخرج من بين الصلب والترائب" (سورة الطارق).
فهو يقول: "ثم يأتي النص في سورة (الطارق) ليضيف من المعلومات عن الماء الدافق (المني) الذي (يخرج من بين الصلب والترائب)، وهي معلومة لم تكن معروفة حتى عصرنا. . ." (ص58).
ويقول في موضع آخر:"والصلب: فقار الظهر، وهي منبع الماء الدافق عند الرجل، والترائب: جمع، مفرده "تريبة"، وهي عظام الصدر مما يلي الترقوتين، وهي منبع ماء المرأة، وهذه المعلومة كانت مجهولة للإنسان، وبقيت مجهولة حتى منتصف القرن العشرين، وقد تضمنها الوحي القرآني منذ أوائل هذا الوحي، أي: منذ أكثر من أربعة عشر قرنا" (ص85).
وكان يكفيه أن يتطلع على أية مقدمة في علم التشريح ليعرف أن هذا التفسير ليس صحيحا. إذ لا شأن لصلب الرجل ولا لفقار ظهره ولا لترائبه ولا لصلب المرأة ولا لترائبها بالحمل ولا بما يتعلق به.
وأنا لا أريد هنا أن أفسر القرآن الكريم، لكنه يبدو لي أن التفسير الأقرب لقوله تعالى: "يخرج من بين الصلب والترائب" هو أن هذه الآية وصف للإنسان، وليست وصفا للماء الدافق. إذ يمكن أن يكون معناها تذكير الإنسان بالمكان الذي كان فيه في أثناء الحمل، وهو بطن أمه؛ أو تكون وصفا للإنسان يوم البعث، حين يبعث من بين تراب الأرض وأحجارها. والمعنى الثاني أقرب، وبخاصة إذا نظرنا إلى الآيات التي تتلو هذه الآية وتتحدث عن يوم البعث.
معلومات الدكتور شاهين العلمية:
من الغريب أن يتكلف الدكتور شاهين الخوض في النظريات العلمية مع أن هناك شواهد كثيرة في هذا الكتاب تدل على أن أدواته في هذا المجال لا تكفي. ولذلك فقد وقع ضحية لمعلومات نقلها من مصادر غير دقيقة، إن صح أن المعلومات هذه فيها؛ أو أنه وقع ضحية لأخطاء وقعت فيها ولم يتبينها لنقص أدواته في المجال العلمي. ومن ذلك ما قدمناه عن عدم اطلاعه على المصادر العلمية عن نظرية التطور، وعن المصادر العلمية في التشريح. واكتفاؤه بدلا عن ذلك برواية ما يجده عند الآخرين من غير تمحيص، أو الاكتفاء بما تنشره الصحف، مع ما تتصف به تلك النقول من عدم الدقة.
ومن الأمثلة الأخرى على قصور أدواته العلمية أنه ينقل عن "موسوعة الثقافة العلمية" أن تاريخ الفترة الجيولوجية التي تسمى بفترة "ما قبل العصر الكمبري" هو 71,125,000,000 (ص25). وربما ظن القارئ أن في هذا الرقم خطأ مطبعيا. لكن الدكتور شاهين يورد هذا الرقم كتابة في (ص26) فيقول:"فقد بدأت الحياة العتيقة بمرحلة ما قبل العصر الكمبري، أي: منذ واحد وسبعين مليارا وخمسة وعشرين مليونا من السنين".
أما ما يكاد يعرفه الناس جميعا في هذا العصر فهو أن عمر الكون كله يقدر باثني عشر بليونا وخمسمائة مليون سنة إلى خمسة عشر بليون سنة في بعض التقديرات. وأن عمر الأرض يقدر بأربعة بلايين وخمسمائة مليون سنة إلى خمسة بلايين. وإذا كان الأمر كذلك فإن الرقم الذي ذكره ليس صحيحا. وكان عليه لو كان يعرف شيئا ذا بال عن العلم الحديث أن يبين عدم توافق هذا الرقم الهائل مع التقديرات المعروفة.
¥