ليس من غرضي في هذه المراجعة استغلال وقوع الدكتور شاهين في بعض الأخطاء واتخاذ ذلك وسيلة للإساءة إليه. وإنما الدافع إلى كتابة هذه المراجعة أن موضوع الكتاب أخطر من أن يترك لمثل هذه المحاولات التي لا تفيد في إغناء فهمنا لمعاني القرآن الكريم ولا في توسيع معارفنا بالظواهر الكونية.
كما أنني كتبت هذه المراجعة لأبين أن من المزالق التي يقع فيها بعض الباحثين أنهم يريدون أن يردوا العلم بالدين أو أن يردوا الدين بالعلم أو أن يؤيدوا الدين بالعلم أو أن يؤيدوا العلم بالدين. مع أنه ربما ينجم عن كل هذه المحاولات الإساءة إلى العلم أو الدين أو إليهما معا.
والأوفق أن يصان القرآن الكريم بخاصة من أن يجعل مجالا يخوض فيه الخائضون مستخدمين ما تتوصل إليه العلوم من إنجازات. ذلك أن هذه الإنجازات تتصف بالتغير؛ كما يجب أن يصان العلم عن التفسيرات الفطيرة التي تتلبس بالدين.
وقد كتب ستيفن جاي جولد كتابا رائعا عن هذا الموضوع هو:
Rocks of Ages: Science and Religion in the Fullness of Life, 1999
" صخور العصور: العلم والدين في الحياة السعيدة" (وهذه الترجمة للعنوان مؤقتة حتى أصل إلى ترجمة أدق). وسأحاول أن أكتب له عرضا عما قريب إن شاء الله.
وختاما فإن كتاب "أبي آدم"، بالإضافة إلى المآخذ العلمية التي ذكرت، سيئ التأليف؛ إذ إن فيه كثيرا من الاضطراب والتكرار والحشو وسوء التنسيق. هذا في الأقسام التي عرضت لها من الكتاب؛ غير أن في الكتاب فصولا أخرى لا صلة لها بالعلم، وإنما هي تخرصات لا تستند إلى شيء. وأحسن ما في الكتاب كله تلك المواعظ الحارة التي يوردها المؤلف في كل صفحة تقريبا.
ومن المبالغة بمكان أن يقول الدكتور شاهين إن تأليف هذا الكتاب استغرق خمسة وعشرين عاما. وأظن أن الأقرب أن يقال إن هذا الموضوع شغله لهذه المدة الطويلة مما جعله يجمع المعلومات عنه، ويفكر فيه بين الحين والآخر. أما كتابة هذا الكتاب فعلا فلا أظنها استغرقت هذا الزمن الطويل.
وبعد ذلك كله، فإن من العجيب أن ينبري بعض الناس ليلغي حق الدكتور شاهين في أن يرى رأيا جديدا في تفسير القرآن الكريم. بل إن الأمر تجاوز إلغاء هذا الحق إلى التشكيك في دينه. والواقع أن هذا الكتاب يشهد على حسن نية مؤلفه (ولا نزكي على الله أحدا)؛ فهو لم يكذِّب آية في كتاب الله تعالى، ولم تصدر منه كلمة واحدة يمكن أن يفهم منها عدم إيمانه بالله خالقا.
أما فرضيته التي جاء بها فليست إلا واحدة من الاجتهادات التي سبقه إلى أمثالها المفسرون المسلمون على امتداد العصور. ومن أهم المفسرين المعاصرين الذين حاولوا إعطاء تفسيرات جديدة لبعض الآيات القرآنية، مستخدمين منجزات العلوم الحديثة فيها، طنطاوي جوهري والشيخ المراغي وسيد قطب رحمهم الله. ولم يشكك أحد في دينهم، ولم يعد أحد ما جاءوا به خروجا على الإسلام.
ولذلك فِإنه ينبغي، في رأيي، أن نميز بين أمرين: الأول هو أن فرضية الدكتور شاهين في تفسيره لآيات الخلق إنما هي تفسيرات بشرية يجوز عليها ما يجوز على التفسيرات الأخرى من القبول أو عدم القبول؛ والأمر الثاني أنه يجب ألا ينظر إلى هذا الاجتهاد على أنه خروج من المؤلف على الإسلام كما يرى بعض الناس.
أما فرضية المؤلف في هذا الكتاب فقد حاولت أن أبين هنا أنها ليس لها ما يسندها؛ ويجب أن تعامل على هذا الوجه. لكن هذا يجب ألا يتخذ ذريعة لمنعه من أن يرى تفسيرا مخالفا لما عهده الناس، ويجب ألا يتخذ ذلك ذريعة لاتهامه في دينه. أ. هـ.
ـ[أبو الفداء المصري]ــــــــ[07 - 06 - 05, 10:13 م]ـ
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك
ـ[أبو الفداء المصري]ــــــــ[08 - 06 - 05, 08:52 م]ـ
لقد قرأته وهو بالفعل رد جيد ومفيد
ـ[صُهيب]ــــــــ[12 - 06 - 05, 02:23 ص]ـ
وهناك ردود أخرى عليه في جريدة الخليج الإماراتية في ملحقها الديني كل يوم جمعة (وطبعاً هذه الجريدة تبث الغث و الثمين)
والرد بعنوان (أبو نا آدم القول الحق في قصة الخلق) وقد وصل إلى الرد السابع
والرد لدكتور اسمه: حمادة فاروق - والله أعلم.