تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

محبة ماينفعه

ومنها: أنه مفطور على جلب المنافع ودفع المضار بحسه وحينئذ لم تكن فطرة كل واحد مستقلة بتحصيل ذلك بل يحتاج إلى سبب معين للفطرة كالتعليم ونحوه فإذا وجد الشرط وانتفى المانع استجابت لما فيها من المقتضي لذلك

ومنها: أن يقال: من المعلوم أن كل نفس قابلة للعلم وإرادة الحق ومجرد التعليم والتحضيض لا يوجب العلم والإرادة لولا أن في النفس قوة تقبل ذلك وإلا فلو علم الجهال والبهائم وحضضا لم يقبلا ومعلوم أن حصول إقرارها بالصانع ممكن من غير سبب منفصل من خارج وتكون الذات كافية في ذلك فإذا كان المقتضي قائما في النفس وقدر عدم المعارض فالمقتضي السالم عن المعارض يوجب مقتضاه فعلم أن الفطرة السليمة إذا لم يحصل لها ما يفسدها كانت مقره بالصانع عابدة له ومنها: أن يقال إنه إذا لم يحصل المفسد الخارج ولا المصلح الخارج كانت الفطرة مقتضية للصلاح لأن المقتضي فيها للعلم والارادة قائم والمانع منتف

ويحكى عن أبي حنيفة رحمه الله: أن قوما من أهل الكلام أرادوا البحث معه في تقرير توحيد الربوبية فقال لهم: أخبروني قبل أن نتكلم في هذه المسألة عن سفينة في دجلة تذهب فتمتلىء من الطعام والمتاع وغيره بنفسها وتعود بنفسها فترسي بنفسها وتفرغ وترجع كل ذلك من غير أن يدبرها أحد؟!! فقالوا: هذا محال لا يمكن أبدا! فقال لهم: إذا كان هذا محالا في سفينة فكيف في هذا العالم كله علوه وسفله!! وتحكى هذه الحكاية أيضا عن غير أبي حنيفة

فلو أقر رجل بتوحيد الربوبية الذي يقر به هؤلاء النظار ويفنى فيه كثير من أهل التصوف ويجعلونه غاية السالكين كما ذكره صاحب منازل السائرين وغيره وهو مع ذلك إن لم يعبد الله وحده ويتبرأ من عبادة ما سواه - كان مشركا من جنس أمثاله من المشركين

والقرآن مملوء من تقرير هذا التوحيد وبيانه وضرب الأمثال له ومن ذلك أنه يقرر توحيد الربوبية ويبين أنه لا خالق إلا الله وأن ذلك مستلزم أن لا يعبد إلا الله فيجعل الأول دليلا على الثاني إذ كانوا يسلمون [في] الأول وينازعون في الثاني فيبين لهم سبحانه أنكم إذا كنتم تعلمون أنه لا خالق إلا الله [وحده] وأنه هو الذي يأتي العباد بما ينفعهم ويدفع عنهم ما يضرهم لا شريك له في ذلك فلم تعبدون غيره وتجعلون معه آلهة أخرى؟

كقوله تعالى: {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون * أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون} الآيات يقول الله تعالى في آخر كل آية: {أإله مع الله} أي أإله مع الله فعل هذا؟ وهذا استفهام انكار يتضمن نفي ذلك وهم كانوا مقرين بأنه لم يفعل ذلك غير الله [فاحتج عليهم بذلك وليس المعنى أنه استفهام هل مع الله إله كما ظنه بعضهم لأن هذا المعنى لا يناسب سياق الكلام والقوم كانوا يجعلون مع الله] آلهة أخرى كما قال تعالى {أإنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد} وكانوا يقولون: {أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب} لكنهم ما كانوا يقولون: أن معه إلها {جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا} بل هم مقرون بأن الله وحده فعل هذا وهكذا سائر الآيات وكذلك قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون} وكذلك قوله في سورة الأنعام: {قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به} وأمثال ذلك

واذا كان توحيد الربوبية الذي يجعله هؤلاء النظار ومن وافقهم من الصوفية هو الغاية في التوحيد -: داخلا في التوحيد الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب فليعلم أن دلائله متعددة كدلائل اثبات الصانع ودلائل صدق الرسول فإن العلم كلما كان الناس إليه أحوج كانت أدلته أظهر رحمة من الله بخلقه

والقرآن قد ضرب الله للناس فيه من كل مثل وهي المقاييس العقلية المفيدة للمطالب الدينية لكن القرآن يبين الحق في الحكم والدليل فماذا بعد الحق إلا الضلال؟ وما كان من المقدمات معلومة ضرورية متفقا عليها استدل بها ولم يحتج إلى الاستدلال عليها

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير