تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فمن ذلك مثلا ما جاء في كتب السير أنّ المسلمين في غزوة اليمامة كان شعارهم (محمداه) وهذه ذكرها الطبري وذكرها ابن كثير في ”البداية والنهاية“ وأشباه ذلك، فقال قائلون: إنّ هذا يدل على جواز الاستغاثة بالنبي ? بعد مماته؛ لأنّ معنى محمداه يعني يا محمداه أو هو دعوة له عليه الصلاة والسلام. ()

ولا شك أنّ الاستدلال على مسألة عقدية بل على مسألة هي لُبُّ التوحيد وأصله وهو الاستغاثة بالله جلّ وعلا وحده دون ما سواه الاستدلال بمثل هذا على تجويز الاستغاثة بالنبي ?ضربٌ لنصوص الكتاب والسنة الكثيرة المتواترة لفظا ومعنًى، ضربٌ لها بخبر جاء في كتب السِّيرة، وقد استدل بهذا بعض المخرفين وبعض دعاة البدع والضلالات، وهذا لا شك أنّه ناتج من ظنِّ أنه كل ما ذكر في كتب السيرة وكل ما ذكر عن سير الصحابة فإنه صحيح في نفسه، وهذا غلط؛ فإنّ فيها أشياء نسبت إليهم لا تصح، بل هي غلط في التوحيد وغلط في العقيدة وغلط في السنة من مثل هذا المثال الذي ذكرته لك، ولو نظرنا في تاريخ الطبري الذي يورد الأشياء بإسنادها لوجدنا أنّ إسناد هذه الحكاية التي ذكر فيها هذا الخبر مسلسل بكذاب ومجهول وضعيف، وهذا كاف في إبطالها من أصله، والذي يعلم دين الرسول ?يبطلها ولو بدون النظر إلى الإسناد، فإنّ الصحابة من كانوا ليستغيثوا بأحدٍ دون ربهم جلّ وعلا؛ يعني ممن لا يقدر على الإغاثة، وهم سادة هذه الأمة فلم يكونوا يستغيثوا بالنبي ? بعد وفاته.

هذا مثال لأنّ هناك أنواعًا من الاستدلالات العقدية الباطلة ببعض ما يورد في كتب السير وكتب المغازي وأحوال الصحابة بعده عليه الصلاة والسلام.

أيضا من الأخطاء في أنواع ما يورد في السير أن الناس انتشرت فيهم أحاديث ضعيفة لا يصح نسبتها للنبي ?، بل وأحاديث ربما منكرة وباطلة؛ لأنها أوردت في السير، وقد قدمت لك قول الحافظ العراقي:

وليعلم الطالبُ أنّ السِّيرَ تجمع ما صح وما قد أُنْكِرَ

ففي ما ورد في السيرة منكرات وأشياء منكرة، وقد عَلِم أهل العلم كثيرا من هذه الأخبار بأنها ليست بصحيحة ولا يصح الاعتماد على السير فيها.

فمن ذلك مثلا كثير من الحكايات في قصة ”بحيرى الراهب“ فإنّ أصل القصة صحيح من حيث الإسناد من حيث الرواية؛ لكن ما جاء في كتب السير منها فإنّ فيه تفصيلات لا تثبت وإنما تروى هكذا بلاغا بلا إسناد، وبعض جُمَلها صحيح، فأصل القصة صحيح وكثير من المحاورات التي فيها ينقلها بعض الدعاة وينقلها بعض الخطباء وينقلها بعض الموجهين على أنها صحيحة وهي ليست بصحيحة، وعليها اتكأ بعض أعداء الإسلام من المستشرقين وغيرهم في قولهم أنّ النبي ? أخذ كثيرا من العلوم عن ”بحيرى الراهب“ وهي التي أوردها أو ذكرها عليه الصلاة والسلام وأصحابه، وهذا باطل قطعا.

ومن الأمثلة أيضا على ذلك القصة المشهورة أنّ النبي ? حينما كان يطوف همّ رجل بقتله فكلمه عليه الصلاة والسلام فقال له ما قال في إخباره بما في نفسه من نية قتله عليه الصلاة والسلام، وهذه قد ضعّفها عدد من أهل العلم.

وهذا النوع من الغلط في أخذ الأحاديث التي ترد في السيرة على أنها صحيحة، هناك عدد من أهل العلم نبّهوا عليه ومن المعاصرين منهم العلامة الألباني في كتابه ”الدفاع عن الحديث النبوي والسيرة“ وهو كتاب جيد في ذكر كثير مما يرد في السير مما لا يصح ومناقشة البوطي فيما أورده في كتابه ”فقه السيرة“ ذلك فيما علقه على كتاب ”فقه السيرة“ للغزالي المعاصر أورد كثيرا من الأحكام وحقق عددًا من الأحاديث، وغيره من الشباب وطلبة العلم كتبوا أيضا كتابات في تحقيق بعض الأحاديث في السيرة.

المقصود من هذا التنبيه على أنه لا يعني ورود الحديث في كتاب من كتب السيرة أنّه في نفس الأمر صحيح وإنْ تداوله العلماء بالقبول فإنهم يتداولونه بالإجمال لكن إذا كان المقام مقام استدلال أو مقام احتجاج فإنهم لا يريدون ذلك إنما يحدثون به هكذا على ما جرى عليه العلماء الأولون.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير