تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الضابط الرابع من ضوابط النظر في السيرة: أن يهَابَ أهل العلم وطلبة العلم والدعاة من أن يخوضوا في السيرة بلا علم، فلا يظننَّ الظانُّ أنَّ السيرة قصة تقبل الزيادة والنقصان، فربما سمع بعضكم بعض من يميل إلى القصص والحكايات -سواءً من جهة التعليم أو من جهة الإلقاء- وذكر أحداثًا من السيرة وحلاَّها بزيادات من عنده ظانًّا أن باب السير باب قصص وأنه يسوغ فيه الزيادة، وهذا ليس بصواب؛ بل هو باطل في نفسه إذْ السيرة هي سيرة المصطفى ? فلا تقبل الزيادة على الحوادث، إذا كان يريد أن يشرح ما ثبت فهذا فيه من الإيضاح ومن تعليق الناس وأخذ العبرة والفائدة؛ لكن أن يزيد حكايات بخروج وذهاب وبذكر أحوال لم ترد في كتب السير ولم تصح، فهذا نوع من القول على الله جلَّ وعلا بلا علم، بل هو نوع من الكذب على النبي ?، وسُمعت أحاديث في بعض الغزوات جِيءَ فيها بأشياء لم ترد أصلاً، وسُمعت أحاديث في بعض حوادث جرت في مكة على صحابة النبي ? وبيعة العقبة بل وهجرة الصحابة إلى الحبشة وأشباه ذلك مما لم يرد أصلاً، وزيادات اقتضاها الطابع القصصي، وهذا لا يسوغ أن يعذر المرء فيه نفسه؛ لأن الأمر شديد والكلام على سيرة النبي ? نوع من الكلام على سنته والكذب فيها كذب على سنة النبي ?، وأعظم ما جاء في ذلك من التحذير قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المتواتر «من كذب عليَّ متعمِّدًا فليتبوأ مقعده من النار».

الضابط الأخير من هذه الضوابط في النظر في فهم السيرة: أن لا يُستعجل بالنقد فيما يورده أهل العلم في السير، فإن السير لها طابع، وكثيرون وهَّمُوا بعض أهل العلم أو تعقبوهم بما ليس مجالاً للتعقب واستعجلوا في ذلك، فقصص السِّير ونوع ثبوتها والاجتهاد في تأول إيرادها هذا كثير، فإذا لم تكن القصة أو السيرة أو الحكاية -سواءٌ عن النبي ? أو عن الصحابة- إذا لم تكن مصادمة لنصوص الكتاب والسنة أو لم تكن باطلة من جهة العقيدة والشريعة والسنة فإن إيرادها للعلماء فيه مآخذ، فلا يأتيَنَّ آتٍ ويقول فلان يورد من السيرة ما لم يثبت، وهذا يورد حديثًا ضعيفًا في السيرة وأشباه ذلك، إذْ الأصل عندهم ما ذكرته لكم من التوسع في نقل السيرة إذا لم يكن ما ينقل باطلاً أو منكرًا، وهذا أصل عظيم لا بد من الاهتمام به؛ لأنّ نقد أهل العلم أو الاعتراض عليهم بما ليس له حجة بيّنة غير مقبول، وربما سبّب أشياء غير محمودة.

الموضوع فيه زيادات لكن الوقت قَصُر وتضايق.

وفي الختام اسأل الله جلّ وعلا لي ولكم الانتفاع يسيرة النبي ?، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علمًا وعملاً وهدىً واهتداء، وأسأله جلّ وعلا أن يصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأن يصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأن يصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا وأن يجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، وأسأله سبحانه أن يصلح ولاة أمورنا وأن يدلهم على الرشاد وأن يباعد بينهم وبين سبل أهل البغي والفساد، وأساله سبحانه أن يجعلنا وإياهم من المتعاونين على البرِّ

محاضرة للشيخ صالح آل الشيخ (معرفة ظوابط السيرة)

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير