تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فصارت العلوم بهذا الاعتبار أما أن تعلم بالشرع فقط وهو ما يعلم بمجرد اخبار الشرع مما لا يهتدى العقل اليه بحال لكن هذه العلوم قد تعلم بخبر آخر غير خبر شارعنا محمد واما أن تعلم بالعقل فقط كمرويات الطب والحساب والصناعات واما أن تعلم بهما فاما أن يكون الشارع قد هدى الى دلالتها كما أخبر بها أم لا فإن كان الأول فهى عقليات الشرعيات أو عقلى الشارع أو ما شرع عقله أو العقل المشروع واما أن يكون قد أخبر بها فقط فهذه عقلية من غير الشارع فيجب التفطن

لكن العقلى قد يعقل من الشارع وهو عامة أصول الدين وقد يعقل من غيره ولم يعقل منه فهذا فى وجوده نظر

وبهذا التحرير يتبين لك أن عامة المتفلسفة وجمهور المتكلمة جاهلة بمقدار العلوم الشرعية ودلالة الشارع عليها ويوهمهم علو العقلية عليها فان جهلهم ابتنى على مقدمتين جاهليتين

إحداهما ان الشريعة ما أخبر الشارع بها

والثانية أن ما يستفاد بخبره فرع للعقليات التى هى الأصول فلزم من ذلك تشريف العقلية على الشرعية

وكلا المقدمتين باطلة فان الشرعيات ما أخبر الشارع بها وما دل الشارع عليها وما دل الشارع عليه وينتظم جميع ما يحتاج الى علمه بالعقل وجميع الأدلة والبراهين وأصول الدين ومسائل العقائد بل قد تدبرت عامة ما يذكره المتفلسفة والمتكلمة والدلائل العقلية فوجدت دلائل الكتاب والسنة تأتى بخلاصته الصافيه عن الكدر وتأتى بأشياء لم يهتدوا لها وتحذف ما وقع منهم من الشبهات والأباطيل مع كثرتها واضطرابها وقد بينت تفصيل هذه الجملة فى مواضع

وأما إذا أريد بالشرعية ما شرع علمه فهذا يدخل فيه كل علم مستحب أو واجب وقد يدخل فيه المباح وأصول الدين على هذا من العلوم الشرعية أيضا وما علم بالعقل وحده فهو من الشرعية أيضا إذا كان علمه مأمورا به فى الشرع

وعلى هذا فتكون الشرعية قسمين عقلية وسمعية وتجعل السمعية هنا بدل الشرعية فى الطريقة الأولى وقد تبين بهذا أن كل علم عقلى أمر الشرع به أو دل الشرع عليه فهو شرعى أيضا اما باعتبار الأمر أو الدلالة او باعتبارهما جميعا

ويتبين بهذا التحرير أن ما خرج من العلوم العقلية عن مسمى الشرعية وهو ما لم يأمر به الشارع ولم يدل عليه فهو يجرى مجرى الصناعات كالفلاحة والبناية والنساجة وهذا لا يكون إلا فى العلوم المفضولة المرجوحه ويتبين أن مسمى الشرعية أشرف وأوسع وأن بين العقلية والشرعية عموما وخصوصا ليس أحدهما قسيم الآخر وانما السمعى قسيم العقلى وأنه يجتمع فىالعلم أن يكون عقليا وهو شرعى بالاعتبارات الثلاثة إخباره به أمره به دلالة عليه فتدبر أن النسبة إلى الشرع بهذه الوجوه الثلاثة ثم ما أمر به الشارع من العلم إما أن يكون أمره به يعود أو لزوما من جهة ما لا يتأتى المشروع إلا به

وكذلك الحكم الشرعى يريد به المعتزلة ما أخبر به الشارع فقط ويريد به الأشعرية ما أثبته الشارع وقد وافق كل فريق قوم من أصحابنا وغيرهم والصواب أن الحكم الشرعى يكون تارة ما أخبر به ويكون تارة ما أثبته وتارة يجتمع الأمران والله أعلم

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير