تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[كيف يمكنك الاستدلال "بالنسخ" للرد على الجبرية؟؟]

ـ[عبد]ــــــــ[17 - 05 - 05, 10:31 م]ـ

الجبرية فرقة تقول ان العبد مجبور على فعل أفعاله لا حرية له ولا اختيار ولا مشيئة فالله هو الذي يصّرف حركات وسكنات هذا العبد بحيث لا يبقى للعبد بعد هذا إرادة خاصة يستأنف بها الأفعال والأقوال والتصرفات المتنوعة. وقد ظهرت في العصر الحديث فرق تحمل المعتقد الجبري ذاته ولكن مشوبة بشبهات ناشئة عن العلوم الطبيعية ويسمونها "مبدأ الحتمية" وهي نتاج مباشر لفلسفة فيزياء نيوتن وفلسفة فيزياء لابلاس. وفي المجال الحيوي أو "الأحيائي" تجلى هذا المعتقد في كتابات ريتشارد دوكنز وهو من أشهر المنظرين وله جمهور عريض في العالم لأنه يزعم أن جميع سلوكيات وتصرفات ابن آدم تتحكم بها الجينات على نحو "جبري" لا خيار لنا فيه البتة. الشاهد ان الفرقة الجبرية القديمة لا زالت تعيش بصور متعددة بل تدثرت بلبوس معاصر وتأثر بها طلاب العلوم الطبيعية من ذوي الديانة الرقيقة والنفوس الضعيفة فعلى طلاّب العلم مسؤولية إزالة الشبه بتنويع الإطلاع على الصور الراهنة للشبهات المختلفة ولن يعدموا (مع إعمال الفكر وطرح التقليد) من كتاب الله وسنة نبيه جواباً داحضاً وحجة بينة ولله الأمر جميعا.

ولقد تكلم العلماء قديما وحديثا حول الجبرية وردوا عليهم وبينوا ضعف أدلتهم وتهافت حججهم. ولن أعيدها هنا لأنه يمكن مراجعتها في مظانها. إلا أنني قد رأيت جواباً يمكن ان ينفع في هذا السياق وقد قدح في ذهني عندما كنت أقرأ عن الحكم العظيمة المترتبة على النسخ.

إذن، كيف يمكن أن يستدل بعلم الناسخ والمنسوخ للرد على الجبرية؟

الجواب: أبدأ بمقدمتين:

1 - أجمعت الأمة على جواز وقوع النسخ في هذه الشريعة. بل دل على جواز ذلك الكتاب والسنة.

2 - من رد إجماع الأمة هذا مع علمه به يكفر. قال ابن تيمية:"والتحقيق أن الإجماع المعلوم يكفر مخالفه، كما يكفر مخالف النص بتركه ... وأما غير المعلوم فيمتنع تكفيره" (19/ 270).

أقول وبالله التوفيق: النسخ من أقوى الأدلة على إثبات مشيئة العبد وأن له قدرة خاصة يستأنف بها التصرفات المتنوعة لأنه لو كان العبد مجبوراً لا حرية له ومقسوراً لا مشيئة له لكان النسخ من العبث الذي ينزه الله تعالى عنه، إذ كيف ينسخ حكم بحكم آخر متراخ عنه وأفعال العبد تحصل إرغاماً وإكراهاً من الله؟ لا يستقيم هذا شرعاً ولا يصح عقلاً.

وبذلك يتبين أن أفعال العباد ليست جبراً. ولذلك فإن الله ينسخ بعض الأحكام بناء على الظروف والملابسات الناتجة عن أفعال وتصرفات العباد ومن الأمثلة على ذلك تحويل القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام. ومن الحكم التي من أجلها حصل النسخ قوله تعالى: {لئلا يكون للناس عليكم حجة}. فقد كانت اليهود تقول محمد يعيب ديننا ويصلي لقبلتنا والمشركون يقولون محمد يدعي أنه على ملة إبراهيم ويصلي لغير قبلته. فكان من حكم النسخ الامر بتحويل القبلة. والمتأمل في كثير من الأحكام يجد مناسبة منسوخها لوقت معين من حياة الناس ويجد ناسخها مناسب للناس دوماً بعد انقطاع الوحي وموت الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. ولو كان الناس مجبورون على عمل ما يعملون لكان النسخ بوجه خاص (والتشريع بوجه عام) ضرباً من العبث الذي ينزه الله تعالى عنه.

وبناء على المقدمتين السابقتين إما أن يلتزم الجبرية بقبول الإجماع في جواز النسخ فليزمهم بذلك الإقرار بحرية العبد وإما أن يثبتوا الجبر فيثبتوا بذلك تبعاً عبثية النسخ في شرع الله فيكفروا بذلك وإما أن ينكروا جواز وقوع الإجماع أصلاً فيقعوا بذلك في كفر آخر.

كتبه طالب المغفرة:

عبدالله بن سعيد بن علي الشهري

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير