تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[فتنة الفقهاء في الاندلس]

ـ[الزبيدي]ــــــــ[23 - 05 - 05, 09:51 ص]ـ

يذكر الذهبي في سيره هذه الواقعة التاريخية التي حدثت في زمن الحكم بن هشام .. ونستشف منها أن الخروج على الحاكم الفاسق لايجدي لنهي النبي عنه كما نستشف أن فسق الحاكم وطغيانه وذنوبه سبب الفتن الداخلية عقوبة من الله تعالى .. قال الذهبي: (( ... الحكم بن هشام ابن الداخل عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان ابن الحكم الأموي المرواني أبو العاص أمير الأندلس وابن اميرها وحفيد أميرها ويلقب بالمرتضى ويعرف بالربضي لما فعل بأهل

الربض بويع بالملك عند موت أبيه في صفر سنة ثمانين ومئة وكان من جبابرة الملوك وفساقهم ومتمرديهم وكان فارسا شجاعا فاتكا ذا دهاء وحزم وعتو وظلم تملك سبعا وعشرين سنة وكان في اول أمره على سيرة حميده تلافيها أباه ثم تغير وتجاهر بالمعاصي وقال ابو محمد بن حزم كان من المجاهرين بالمعاصي سفاكا للدماء كان يأخذ أولاد الناس الملاح فيخصهم ويمسكهم لنفسه وكثرت العلماء بالأندلس في دولته حتى قيل إنه كان بقرطبة أربعة آلاف متقلس متزيين بزي العلماء فلما اراد الله فناءهم عز عليهم أنتهاك الحكم للحرمات وائتمروا ليخلعوه ثم جيشوا لقتاله وجرت بالأندلس فتنة عظيمة على الإسلام وأهله فلا قوة إلا بالله فذكر ابن مزين في تاريخه طالوت بن عبد الجبار المعافري وأنه أحد العلماء العاملين الشهداء الذين هموا بخلع الحكم وقالوا إنه غير عدل ونكثوه في نفوس العوام وزعموا أنه لا يحل المكث ولا الصبر على هذه السيرة الذميمة وعولوا على تقديم أحد أهل الشورى بقرطبة وهو ابو الشماس أحمد بن المنذر بن الداخل الأموي ابن عم الحكم لما عرفوا من صلاحه وعقله ودينه فقصدوه وعرفوه بالأمر فابدى الميل إليهم والبشرى بهم وقال لهم أنتم أضيافي الليلة فإن الليل استر وناموا وقام هو إلى ابن عمه بجهل فأخبره بشأنهم فاغتاظ لذلك وقال جئت لسفك دمي أو دمائهم وهم أعلام فمن اين نتوصل إلى ما ذكرت فقال أرسل معي من تثق به ليتحقق فوجه من أحب فأدخلهم أحمد في بيته تحت ستر ودخل الليل وجاء القوم فقال خبروني من معكم فقالوا فلان الفقيه وفلان الوزير وعدوا كبارا والكاتب يكتب حتى امتلأ الرق فمد أحدهم يده وراء الستر فراى القوم فقام وقاموا وقالوا فعلتها يا عدو الله فمن فر لحينه نجا ومن لا قبض عليه فكان ممن فر عيسى بن ديار الفقيه ويحيى بن يحيى الفقيه صاحب مالك وقرعوس بن العباس الثقفي

...... وقبض على ناس كأبي كعب وأخيه ومالك بن يزيد القاضي وموسى بن سالم الخولاني ويحيى بن مضر الفقيه وأمثالهم من أهل العلم والدين في سبعة وسبعين رجلا فضربت أعناقهم وصلبوا وأضاف إليهم عميه كليبا وأمية فصلبا .... وأحرق القلوب عليهم وسار بأمرهم الرفاق وعلم الحكم أنه محقود من الناس كلهم فأخذ في جمع الجنود والحشم وتهيأ وأخذت العامة في الهيج واستأسد الناس وتنمروا وتأهبوا فاتفق أن مملوكا خرج من القصر بسيف دفعه إلى الصيقل فماطله فسبه فجاوبه الصيقل فتضاربا ونال منه المملوك حتى كاد أن يتلفه فلما تركه أخذ الصيقل السيف فقتل به المملوك فتألب إلى المقتول جماعة وإلى القاتل جماعة أخرى واستفحل الشر وذلك في رمضان سنة اثنتين ومئتين وتداعى أهل قرطبة من أرباضهم وتألبوا بالسلاح وقصدوا القصر فركب الجيش والإمام الحكم فهزموا العامة وجاءهم عسكر من خلفهم فوضعوا فيهم السيف وكانت وقعه هائلة شنيعة مضى فيها عدد كثير زهاء عن اربعين الفا من أهل الربض وعاينوا البلاء من قدامهم ومن خلفهم فتداعوا بالطاعة وأذعنوا ولاذوا بالعفو فعفا عنهم على أن يخرجوا من قرطبة ففعلوا وهدمت ديارهم ومساجدهم ونزل منهم ألوف بطليطلة وخلق في الثغور وجاز آخرون البحر ونزلوا بلاد البربر وثبت جمع بفاس وابتنوا على ساحلها مدينة غلب على اسمها مدينة الأندلس .... وأما الحكم فإنه إطمأن وكتب إلى القائد محمد بن رستم كتابا فيه وأنه تداعى فسقة من أهل قرطبة من أهل قرطبة إلى الثورة وشهروا السلاح فأنهضنا لهم الرجال فقتلنا فيهم قتلا ذريعا وأعان الله عليهم فأمسكنا عن أموالهم وحرمهم ثم كتب الحكم كتاب أمان عام .. ) انتهى بتصرف.

قال الزبيدي: وهذه نادرة وقعت أثناء الفتنة .. حيث أسلم يهودي بسببها:لما ثار الفقهاء، وكان من رموزهم (طالوت المعافري). فشلت الثورة وتفرق أهلها فاختفى (طالوت) في بيت يهودي عاماً كاملاً، فلما هدأت الأمور، توجه (طالوت) قاصداً الوزير (أبا البسام) على أمل أن يسمح له في الإقامة في داره، ويحفظه حتى يأذن الله في الفرج، لكن الوزير العتيد، ذهب إلى (الحكم) ليقول له: ما رأي الأمير في كبش سمين، وقف على حذوده عاماً كاملاً؟، قال الحكم: لحم ثقيل فما الخبر؟ قال: طالوت عندي، فأمر بإحضاره، فلما حضر قال الحكم: يا طالوت أخبرني لو أن أباك أو ولدك ملك هذه الدار، أكنت فيها في البر والإكرام أفضل مما كنت أفعل معك، فما رضيت إلا بسفك دمي؟

يقول طالوت - في نفسه - لم أجد أفضل من الصدق فقلت: كنت أبغضك لله، فلم يمنعك ما صنعت معي لغير الله، وإني معترف بذلك أصلحك الله، فوجم الحكم ثم قال: أعلم أن الذي أبغضتني له قد صرفني عنك، فانصرف في حفظ الله، ولست بتارك برك، وليت الذي كان لم يكن، ولكن قلي: أين ظفر بك (أبو البسام) لا كان ذلك؟ قال طالوت: أنا أظفرته بنفسي وقد قصدته، قال الحكم: فأين كنت في عامك؟ قال طالوت: كنت في دار يهودي، قد حفظني الله، فأطرق الحكم ملياً، ثم رفع رأسه وتوجه إلى أبي البسام وقال له: لقد حفظه يهودي وستر عليه، لمكانه من العلم والدين، وغدرت به إذ قصدك، وخفرت الذمة، لا أراني الله يوم القيامة وجهه، إن رأيت وجهك، وطرده، وكتب لليهودي كتاباً يتعلق بالجزية فيما ملك، وزاد في إحسانه، فلما رأى اليهودي ذلك أسلم مكانه.

فائدةفي قوله تعالى"فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم" قال الشوكاني: قرأ علي بن أبي طالب بضم التاء والواو وكسر اللام مبنياً للمفعول، وبها قرأ ابن أبي إسحاق وورش عن يعقوب، ومعناها فهل عسيتم إن ولي عليكم ولاة جائرين أن تخرجوا عليهم في الفتنة وتحاربوهم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير