تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وروى أحمد من طريق سعيد بن خالد قال: " دخلت على أبي سلمة فأتانا بزبد وكتلة، فأسقط ذباب في الطعام، فجعل أبو سلمة يمقله بأصبعه فيه، فقلت: يا خال! ما تصنع؟ فقال: إن أبا سعيد الخدري حدثني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن أحد جناحي الذباب سم والآخر شفاء فإذا وقع في الطعام فأمقلوه فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء)، فأنس صحابي و أبو سلمة تابعي، وقد عملا بمضمون هذا الحديث، فكيف يزعم بأن أحداً من المسلمين لم يعمل به؟.

في تصحيح الحديث تنفير للناس عن الإسلام

وأما القول بأن تصحيح الحديث من المطاعن التي تنفر عن الإسلام، وتكون سبباً في ردة بعض ضعاف الإيمان، وأنه يفتح على الدين ثغرة يستغلها الأعداء للاستخفاف بالدين والمتدينين، فهو قول يحمل في طياته استدراكاً على النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كان أحرص الناس على الدين، وأنصح الخلق للخلق، وأكثر العباد خشية وتقوى لله، وهو الذي حمى جناب الإسلام، وسد كل منافذ الطعن والقدح فيه، وكان أحرص الناس على هداية الخلق وإبلاغهم رسالة الله، وشريعة الله تعالى ليس فيها ما ينفر، لأنها شريعة تقبلها القلوب السليمة، وتقتنع بها العقول الصحيحة.

فما هو وجه التنفير في الحديث؟ وما هي الثغرة التي يفتحها على الدين حتى يستغلها أعداء الإسلام؟ هل لأنه لا يتماشى مع أذواقنا وأمزجتنا؟ وهل سيقف الأعداء فيما يثيرونه حول الإسلام عند حديث الذباب وسيكتفون بذلك، ونحن نراهم يثيرون الشكوك والشبه في أمور لا تخفى على أحد، بل حتى القرآن الذي نقل بالتواتر جيلاً بعد جيل لم تسلم نصوصه وأحكامه من شبههم وتشكيكهم، فهل إذا رددنا حديث الذباب بل ورددنا السنة كلها، سكيف عنا ذلك شرهم ويستجيبون لديننا ويلتزمون بشريعتنا.

لماذا هذا التنازل وهذه الانهزامية؟ وهذه الروح الهزيلة، التي تنطلق من موقف الضعيف الخائف مما عنده، ما دمنا موقنين بأن ما عند الله حق، وماجاءنا به رسولنا - صلى الله عليه وسلم - صدق، وما يقذف به أعداء الإسلام شبه باطلة داحضة لا أساس لها من الصحة.

ثم إن الأمر بغمس الذباب في الإناء أو الطعام الذي وقع فيه، إنما هو للإرشاد والتعليم وليس على سبيل الوجوب، وليس في الحديث أبداً أمر بالشرب من الشراب، ولا أمر بالأكل من الطعام بعد الغمس والإخراج، بل هذا متروك لنفس كل إنسان فمن أراد أن يأكل منه أو يشرب فله ذلك، ومن عافت نفسه ذلك فلا حرج عليه، ولا يؤثر ذلك على دينه وإيمانه مادام مصدقاً بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والشيء قد يكون حلالاً ولكن تعافه النفس كالضب مثلاً، فقد كان أكله حلالاً ومع ذلك عافته نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يأكل منه لأنه لم يكن بديار قومه.

والعلماء والمحدثون حين يصححون الحديث رواية ومعنىً لا يعنون عدم حض الناس على مقاومة الذباب وتطهير البيوت والطرقات، وعدم حماية طعامهم وشرابهم منه، كلا فالإسلام دين النظافة ودين الوقاية، وقد جاء الإسلام بالطب الوقائي كما جاء بالطب العلاجي، وسبق إلى كثير من المكتشفات في هذا الجانب لم يُتَوصل إليها إلا في العصور الحديثة، ثم ماذا يقول هؤلاء بعد أن جاء العلم بتأييد هذه الأحاديث من الناحية الطبية، فكشف عما ينطوي عليه من أسرار اعتبرها المنصفون والعقلاء من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخيراً وبعد هذا التطواف لعل القارئ الكريم قد ازداد يقيناً بصحة هذا الحديث رواية ودراية، واطمأن إلى أن الإذعان والقبول لما صح عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو اللائق بالمؤمن، وأنه في كل يوم تتقدم فيه العلوم والمعارف البشرية يظهر الله من الآيات النفسية والكونية ما يدل على أن الكتاب حق من عند الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وصدق الله حيث يقول: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد} (فصلت 53).


المراجع:
- موقف المدرسة العقلية الأمين الصادق الأمين.
- دفاع عن السنة أبو شهبة.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير