[هل في قول "ربنا اختار لي كذا" مخالفة؟]
ـ[خطاب القاهرى]ــــــــ[06 - 06 - 05, 04:34 ص]ـ
هل فى هذا القول مخالفة؟
(ربنا إختار لى كذا)
ـ[خطاب القاهرى]ــــــــ[11 - 06 - 05, 03:57 م]ـ
للتذكير.
ـ[عبد]ــــــــ[11 - 06 - 05, 06:17 م]ـ
قال ابن القيم في الزاد: ((قال اللّه تعالى: {وَرَبّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: 68]. وليس المراد هاهنا بالاختيار الإِرادة التي يُشير إليها المتكلمون بأنه الفاعل المختار - وهو سبحانه -كذلك، ولكن ليس المرادُ بالاختيار هاهنا هذا المعنى، وهذا الاختيار داخل في قوله: {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ}، فإنه لا يخلُق إلا باختياره وداخل في قوله تعالى: {مَا يَشَاءُ}، فإن المشيئة هي الاختيارُ، وإنما المرادُ بالاختيار هاهنا: الاجتباء والاصطفاء، فهو اختيارٌ بعدَ الخلق، والاختيارُ العام اختيارٌ قبل الخلق، فهو أعم وأسبق، وهذا أخصُّ، وهو متأخر، فهو اختيارٌ من الخلق، والأول اختيارٌ للخلق. وأصحُّ القولين أن الوقف التام على قوله: {وَيَخْتار} ويكون {مَا كَانَ لَهُم الخِيَرَةُ} نفياً، أي: ليس هذا الاختيار إليهم، بل هو إلى الخالق وحده، فكما أنه المنفرد بالخلق، فهو المنفرد بالاختيار منه، فليس لأحد أن يخلق، ولا أن يختار سواه، فإنه سبحانه أعلم بمواقع اختياره، وَمَحَالِّ رضاه، وما يصلُح للاختيار مما لا يصلح له، وغيرُه لا يُشاركه في ذلك بوجه.
وإذا تأملت أحوالَ هذا الخلقِ، رأيتَ هذا الاختيار والتخصيص فيه دالاً على ربوبيته تعالى ووحدانيته، وكمالِ حكمته وعلمه وقدرته، وأنه اللَّهُ الذي لا إله إلا هو، فلا شريك له يخلُق كخلقه، ويختار كاختياره، ويدبِّر كتدبيره، فهذا الاختيارُ والتدبير، والتخصيص المشهود أثرُه في هذا العالم مِنْ أعظم آيات ربوبيته، وأكبرِ شواهد وحدانيته، وصفات كماله، وصدقِ رسله، فنشيرُ منه إلى يسير يكونُ منبهاً على ما وراءه، دالاً على ما سواه.
فخلق اللّه السماواتِ سبعاً، فاختار العُليا منها، فجعلها مستقر المقربين مِن ملائكته، واختصها بالقرب مِن كرسيه ومِن عرشه، وأسكنها مَن شاءَ مِن خلقه، فلها مزيةٌ وفضلٌ على سائر السماوات، ولو لم يكن إلا قربُها منه تبارك وتعالى. وهذا التفضيلُ والتخصيصُ مع تساوي مادة السماوات مِن أبين الأدلة على كمال قدرته وحكمته، وأنه يخلق ما يشاء ويختار.
وَمِن هذا تفضيلُه سبحانه جنّةَ الفردوس على سائر الجنان، وتخصيصُها بأن جعل عرشه سقفَها، وفي بعض الآثار: ((إن اللّه سبحانه غرسها بيده، واختارها لِخيرته مِن خلقه)). وَمِن هذا اختيارُه مِن الملائكة المصطفيْنَ مِنهم على سائرهم، كجبريلَ، وميكائيلَ، وإسرافيلَ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّماوات وَالأرضِ، عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)).
فذكر هؤلاء الثلاثة مِن الملائكة لكمال اختصاصهم، واصطفائهم، وقربهم من اللّه، وكم مِن مَلَك غيرهِم في السماوات، فلم يُسم إلا هؤلاء الثلاثة. فجبريل: صاحبُ الوحي الذي به حياةُ القلوب والأرواح، وميكائيلُ: صاحب القَطْرِ الذي به حياةُ الأرض والحيوان والنبات، وإسرافيل: صاحب الصُور الذي إذا نفخ فيه، أحيت نفختُه بإذن اللّه الأموات، وأخرجتهم مِن قبورهم.
وكذلك اختيارُه سبحانه للأنبياء مِن ولد آدم عليه وعليهم الصلاةُ والسلام، وهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، واختياره الرسل منهم، وهم ثَلاثُمائة وثلاثة عشر، على ما في حديث أبي ذر الذي رواه أحمد، وابن حبان في ((صحيحه))، واختيارُه أولي العزم منهم، وهم خمسة المذكورون في سورة (الأحزاب) و (الشورى) في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النّبِيّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مّيثَاقاً غَلِيظاً} [الأحزاب: 7]، وقال تعالى: {شَرَعَ لَكُم مّنَ الدّينِ مَا وَصّىَ بِهِ نُوحاً وَالّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىَ وَعِيسَىَ أَنْ أَقِيمُواْ الدّينَ
¥