[كشف الاثام عن مسألة تنكير السلام]
ـ[ابن دحيان]ــــــــ[25 - 03 - 02, 07:52 م]ـ
[كشف الاثام عن مسألة تنكير السلام]
الحمد لله رب العالمين، وصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله الطاهرين، وصحبه الغر الميامين.
وبعد:
فإن مسألة تنكير السلام، من المسائل التي قد تخفى على بعض طلاب العلم، فأحببت أن انفع نفسي، وأنفع أخواني لما اشتملة عليه هذه المسئلة من فوائد، وفرائد، وبالله استعين.
معنى السلام
قال ابن منظور ـ رحمه الله ـ: [ذكر محمد بن يزيد أن السلام في لغة العرب أربعة أشياء، فمنها سلَّمت سلاماً مصدر سلمت، ومنها السلام جمع سلامة، ومنها السلام اسم من أسماء الله ـ تعالى ـ ومنها السلام شجر وقال ابن الأعرابي: السلام الله، والسلام السلامة، والسلامة الدعاء
ثم قال ابن منظور ـ رحمه الله ـ ومعنى السلام هو مصدر سلَّمت أنه دعاء للإنسان بأن يسلم من الآفات في دينه ونفسه.] اللسان [12/ 391]
وقال ابن قيم الجوزيه ـ عليه رحمات رب البريه ـ: [فيه قولان مشهوران
أحدهما أن المعنى اسم السلام عليكم، والسلام هنا الله ـ تعالى ـ ومعنى الكلام نزلت بركة اسمه عليه، وحلت عليكم ونحو هذا .... ثم قال والقول الثاني أن السلام مصدر بمعنى السلامة، وهو المطلوب المدعو به عند التحية.] بدائع الفوائد [2/ 140ـ142]
وبهذا يتبين لنا معنى السلام والتحية
أيهما افضل تنكير السلام أم تعريفه:
اختلاف أهل العلم في ذلك، فمنهم من يرى أن تنكير السلام، وهذا قول ابن قيم الجوزيه، ومنهم من يرى أن تعريفه أفضل وهذا هو قول النووي، وابن حجر
القول الأول:
قالوا: أن أكثر إتيان السلام في القرآن بصيغة التنكير
مثل قوله ـ تعالى ـ (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) [الرعد:24]
وقوله ـ سبحانه ـ (قل الحمد لله وسلام على عباده الذي
الصطفى) [القصص: 55]
وفي قوله ـ جلا وعلا ـ (قال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين) [الزمر:73]
بدائع الفوائد [2/ 130]
القول الثاني:
قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ (ولكن الألف واللام أولى)
وقال (اعلم أن الأفضل أن يقول المسلم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)
وقال (وممن نص على أن الأفضل في المبدئ أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله الإمام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي في كتابه الحاوي في كتاب السير، والإمام أبو سعد المتولي من أصحابنا)
[الأذكار 217ـ219]
وكذالك أشار إلى هذا ابن حجر ـ رحمه الله ـ وعلل بأنها للتفخيم والتكبير
[الفتح 11/ 6]
القول الراجح والله أعلم
أن تنكير السلام وتعريفه، يكون حسب الموضع، فهناك مواضع يحسن أن يعرف فيها السلام وهناك مواضع يحسن أن ينكر فيها السلام
فمثال ذلك
إذا أرد الإنسان أن يسلم في أول كلامه وفي آخره فيحسن به في هذه الحالة، أن يبتدئ بالتنكير وينتهي بالتعريف، قال ابن منظور (وكانوا يستحسنون أن يقولوا في الأول: سلام عليكم، وفي الآخر السلام عليكم وتكون الألف اللام للعهد، يعني في السلام الأول) اللسان [12/ 290]
المثال الثاني ـ إن كان السلام في المكاتبة فيحسن أن يكون السلام في أوله بالنكرة وفي آخره بالمعرفة، كما قرر ذلك ابن قيم الجوزية
قال رحمه الله (واما المسئلة الثانية وهي ابتدء السلام في المكاتبة بالنكرة كما تقدم في ابداء السلام النطقي بهما سواء، فإن المكاتبة قائمة مقام النطق، وأما تعريفه في آخر المكاتبة ففيه ثلاث فوائد:
أحدها: أن السلام قد أوقع الأنس بينهما به، وهو مؤذن بسلامة عليه خصوصاً، فكأنه قال: سلام مني عليك كما تقدم، وهذا أيضاً من فوائد تنكير السلام الابتدائي للإيذان بأنه سلام مخصوص من المسلم، فلما استقر ذلك وعلم في صدر الكتاب كان الأحسن أن يسلم عليه سلاماً هو أعم من الأول، لئلا يبقى تكراراً محضاً، بل يأتي بلفظ يجمع سلامه وسلام غيره، فيكون قد جمع بين السلامين الخاص منه، والعام منه ومن غيره ولهذه الفائدة استحسنوا أن يكون قول الكاتب وفلان يقرؤك السلام، وفلان في آخر المكاتبة بعده السلام عليك لهذا الغرض.
الفائدة الثانية: أنه قد تقدم أن السلام المُعرف اسم من أسماء الله، وقد افتتح الكاتب رسالته بذكر الله فناسب أن يختتمها باسم من أسمائه وهو السلام، ليكون اسمه ـ تعالى ـ في أول الكتاب وآخره، وهذه فائدة بديعة.
الفائدة الثالثة: بديعة جداً وهي جواب السؤال التاسع بعد هذا وهي أن دخول الواوالعاطفة في قول الكاتب والسلام عليكم ورحمة الله فيها وجهان
أحدهما: قول ابن قتيبة أنها عطف على السلام المبدوء به، فكأنه قال: والسلام المتقدم عليكم.
والقول الثاني: أنها لعطف فصول الكتاب بعضه على بعض، فهي عطف لجملة السلام على ما قبله من الجمل كما تدخل الواو في تضاعيف الفصول، وهذا أحسن من قول ابن قتيبة لوجوه منها: أن الكلام بين السلامين قد طال فعطفُ آخره بعد طوله على أوله قبيح غير مفهوم السياق
الثاني: أنه غذا حمله على ذلك كان السلام الثاني هو الأول بعينه، فلم يفد فائدة متجددة وفي ذلك شح بسلام متجدد، وإخلال بمقاصد المتكاتنبين من تعدد الجمل والفصول واقفتضاء كل جملة لفائدة غير الفائدة المتقدمة)
ثم قال رحمه الله (وهذه فصاحة غريبة، وحكمة سلفية موروثة عن سلف الأمة، وعن الصحابة في مكاتبتهم، وهكذا كانوا يكتبون إلى نبيهم
صلوات الله وسلامه عليه.) بدائع الفوائد [2/ 156ـ157]
ومثال السلام المعرف:
إذا ارد المسلم ان يخرج من الصلاة، فلا يصح أن يأتي بالسلام إلا معرفاً
قال ابن منظور رحمه الله (وأما السلام الذي يخرج به من الصلاة فروى الربيع عنه ــ أي عن الشافعي ـ أنه قال: لا يكفيه إلا معرفاً فإنه قال: أقل ما يكفيه أن يقول: السلام عليكم، فإن نقص من هذا حرفاً عاد فسلم، ووجهه أن يكون أراد بالسلام اسم الله فلم يجز حذف الألف) [12/ 290]
والحمد لله رب العالمين
¥