قال عثمان بن أبي شيبة: أحضر هارون الرشيد أبا بكر بن عياش من الكوفة فجاء ومعه وكيع فدخل ووكيع يقوده فأدناه الرشيد وقال: قد أدركت أيام بني أمية وأيامنا فأينا خير؟ قال: أنتم أقوم بالصلاة، وأولئك كانوا أنفع للناس، قال: فأجازه الرشيد بستة آلاف دينار صرفه، وأجاز وكيعًا بثلاثة آلاف.
قال يحيى بن سعيد: زاملت أبا بكر بن عياش إلى مكة فما رأيت أورع منه، لقد أَهدى له رجل رطبًا فبلغه أنه من بستان أُخذ من خالد بن سلمة المخزومي، فأتى آل خالد، فاستحلهم وتصدق بثمنه.
قال أبو عبد الله المعيطي: رأيت أبا بكر بن عياش بمكة جاءه سفيان بن عيينة فبرك بين يديه فجاء رجل يسأل سفيان عن حديث، فقال: لا تسألني عن حديث ما دام هذا الشيخ قاعدًا، فجعل أبو بكر يقول: يا سفيان كيف أنت؟ وكيف عائلة أبيك؟
قال أحمد بن يونس: كان الأعمش يضرب هؤلاء ويشتمهم ويطردهم وكان يأخذ بيد أبي بكر فيجلس معه في زاوية لحال القرآن.
قال يزيد بن هارون: كان أبو بكر بن عياش خيرًا فاضلاً لم يضع جنبه على الأرض أربعين سنة.
قلت: هذا يذكر عن كثير من العباد وهو خلاف سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الذي يقول: "أما أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني". متفق عليه من حديث أنس.
قال أبو بكر: تعلمت القرآن من عاصم كما يتعلم الصبي من المعلم فلقي مني شدة فما أحسن غير قراءته، وهذا الذي أحدثك به من القراءات إنما تعلمته من عاصم تعلمًا.
قال يحيى بن آدم: قال أبو بكر: اختلفت إلى عاصم نحوًا من ثلاث سنين في الحر والشتاء والمطر حتى ربما استحييت من أهل مسجد بني كاهل.
قال الذهبي: وقد روى من وجوه متعددة أن أبا بكر بن عياش مكث نحوًا من أربعين سنة يختم القرآن في كل يوم وليلة مرة. قال: وهذه عبادة يخضع لها ولكن متابعة السنة أولى، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عبد الله بن عمرو أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث. رواه البخاري.
وقال عليه السلام: "لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث". {رواه أبو داود والترمذي وهو صحيح}. اه.
قلت: وهذا كما تقدم من القيام.
قال أبو بكر: ولدت سنة سبع وتسعين وأخذت رزق عمر بن عبد العزيز ومكثت خمسة أشهر ما شربت ماءً ما أشرب إلا النبيذ.
قال الذهبي: النبيذ الذي هو نقيع التمر ونقيع الزبيب، ونحو ذلك، والفقاع حلال شربه، وأما نبيذ الكوفيين الذي يسكر كثيره فحرام الإكثار منه عند الحنفية وسائر العلماء، وكذلك يحرم يسيره عند الجمهور ويترخص فيه الكوفيون وفي تحريمه عدة أحاديث.
قال الأحمسي: ما رأيت أحدًا أحسن صلاة من أبي بكر بن عياش.
وفاته: مات في جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين ومائة، عائش ستًا وتسعين سنة.
المراجع:
تهذيب الكمال - تهذيب التهذيب.
سير أعلام النبلاء - تقريب التهذيب.