تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكل هذا الذي حكاه ابن الجزري، روت لنا كتب الإبدال طرفاً منه؛ فمن أمثلة الضاد والظاء ما حكاه أبو الطيب اللغوي في كتابه الإبدال (2/ 270) من قوله: (الحَضَل والحَظَل: فساد يلحق أصول سعف النخل). ومن أمثلة الضاد والذال (الإبدال 2/ 16): (ما ينبض له عِرْقٌ نبضاً، وما ينبِذ له عرق نبذاً. وقد نَبَض العرق ينبض، ونبذ ينبذ: إذا ضرب) ومن أمثلة الضاد واللام (الإبدال 2/ 277): (تقيَّض فلان أباه وتقيَّله تقيَضاً وتقيّلا: إذا نزع إليه في الشبه). ومن أمثلة الضاد والزاي (الإبدال 2/ 138): (أنا على أوفاز وعلى أوفاض: أي على عجلة).

ويحدثنا اللغويون عما سموه (بالضاد الضعيفة) وهو من مظاهر عدم تمكن بعض العرب القدماء من نطق الضاد التي عرفنا وصفها من قبل؛ يقول ابن يعيش: (والضاد الضعيفة من لغة قوم اعتاصت عليهم، فربما أخرجوها طاء وذلك أنهم يخرجونها من طرف اللسان وأطراف الثنايا، وربما راموا إخراجها من مخرجها، فلم يتأت لهم فخرجت بين الضاد والظاء "").

وقد وصلت إلينا بعض الأخبار التي تؤكد لنا أن الناس كانوا يخلطون الضاد بالظاء في بعض الأحيان؛ فقد روى أبو علي القالي أن رجلاً (قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين أيضحى بضبي؟ قال: وما عليك لو قلت: بظبي؟! قال: إنها لغة. قال: انقطع العتاب ولا يضحى بشيء من الوحش "".

كما سجل الجاحظ مثل هذا الخلط بين الضاد والظاء في كتابه البيان والتبيين (2/ 211): (فقال: وزعم يزيد مولى ابن عون، كان رجل بالبصرة له جارية تسمى ظمياء، فكان إذا دعاها قال: يا ضمياء بالضاد، فقال ابن المقفع: قل ياظمياء، فناداها: ياضمياء، فلما غيّر عليه ابن المقفع مرتين أو ثلاثاً، قال له: هي جاريتي أو جاريتك؟).

ويذهب المستشرق (برجشتراسر) إلى (أن نطق الظاء كان قريباً من نطق الضاد وكثيراً تطابقتا وتبادلتا في تاريخ اللغة العربية. وأقدم مثل لذلك مأخوذ من القرآن الكريم، وهو ((الضنين)) في سورة التكوير، فقد قرأها كثيرون بالظاء مكان الضاد التي رسمت بها في كل المصاحف. وممن قرأها بالظاء ابن كثير وأبو عمرو والكسائي، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما قال مكي في كتاب الكشف "": ومما لا شك فيه أن العرب القدامى في البيئة القرشية، كانوا يفرقون بين الضاد والظاء، بدليل أن الكتابة العربية التي شاعت أول ما شاعت في قريش""، فرقت بين الصوتين في الصورة الموضوعة لكل منهما).

ويقول الدكتور إبراهيم أنيس "": (لا يخالجنا الآن أدنى شك في أن العرب القدماء كانوا في نطقهم يميزون هذين الصوتين تمييزاً واضحاً، ولكنهم فيما يبدوا كانوا فريقين: فريق يمثل الكثرة الغالبة، وهؤلاء هم الذين كانوا ينطقون النطق الذي وصفه سيبويه. أما الفريق الآخر فكان يخلط بين الصوتين. وهذا الخلط الذي وقع في بعض اللهجات المغمورة، إنما كان سببه أن هذين الصوتين ـ على حسب وصف سيبويه لهما ـ يشتركان في بعض النواحي الصوتية، أو بعبارة أخرى كان وقعهما في الآذان متشابها. ولعل مما يستأنس به لهذا التشابه بين الصوتين في النطق القديم، وقوعهما في فاصلتين متواليتين من فواصل القرآن الكريم ""، مثل ما جاء في سورة فصلت (41/ 50 ـ 51) قال تعالى: (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ؛ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْأِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ).

ولعل هذا الخلط بين صوتي الضاد والظاء كان قد شاع في القرن الثالث الهجري، وكان هو السر فيما ذهب إليه أبو عبد الله محمد بن زياد الأعرابي اللغوي المشهور (توفي سنة 231 هـ) من أنه يجوز عند العرب أن يعاقبوا بين الضاد والظاء؛

فقد روى ابن خلكان "" أن ابن الأعرابي كان يقول: (جائز في كلام العرب أن يعاقبوا بين الضاد والظاء، فلا يخطئ من يجعل هذه في موضع هذه. وينشد:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير