تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إلى الله أشكو من خليل أوده ثلاث خلال كلها لي غائض

بالضاد (بدل غائظ)، ويقول: هكذا سمعته من فصحاء العرب).

ويزعم ابن جني أن ذلك ليس من باب المعاقبة، وإنما هي مادة أخرى فيقول: (وأما قول الشاعر:

إلى الله أشكو من خليل أوده ثلاث خلال كلها لي غائض

فقالوا: أراد (غائظ) فأبدل الظاء ضاداً.

ويجوز عندي أن يكون غائض غير بدل، ولكنه من غاضه: أي أنقصه، فيكون معناه: أي ينقصني ويتهضمني).

ولقد كانت محاولات بعض من ألف في موضوع الضاد والظاء من اللغويين العرب، منحصرة أحياناً في تنبيه الكتاب حتى لا يخلطوا الضاد بالظاء في خطوطهم متأثرين في ذلك بنطقهم الذي كان من العسير إصلاحه، فنحن نرى مثلاً الزنجاني (انظر فيما يلي حديثنا عن تراث الضاد والظاء) يقول: (هذا كتاب معرفة ما يكتب بالضاد والظاء معاً والفرق بينهما في الخط والهجاء، إذا كانا على بناء واحد وصورة واحدة في اللفظ) كما يقول الحريري: (ما اشتبه لفظه واختلف كتابه لاختلاف معناه). كما تذكر المصادر عن القفطي أنه ألف (كتاباً في الضاد والظاء، وهو ما اشتبه في اللفظ، واختلف في المعنى والخط).

ولم يحاول منهم إلا أبو بكر الصدفي أن يفرق بوضوح بين نطق الضاد والظاء حين قال: (. . لتستدل به على بعض ما التبس على بعض المسلمين بالفرق بينهما من إبانة الظاء بإظهار طرف اللسان في النطق بها، ورفعك رأسها عند كتابتها، وضم الأسنان على الضاد، وميلك باللسان إلى الأضراس من ناحية الشمال، فيفرق بينهما في خطهما).

ونحن نرى أثر هذا الخلط بين الضاد والظاء في بعض البلاد العربية في أيامنا هذه، فقد سبق أن أوردنا ما حكاه الدكتور أنيس عن نطق العراقيين للضاد نطقاً مشابهاً لنطق الظاء.

وليس هذا الأمر خاصاً بالعراقيين فحسب، بل إن أهل تونس يخلطون في أيامنا هذه بين الضاد والظاء، فينطقونها قريبين من الظاء، وكان زميل تونسي بجامعة ميونخ يسألنا إن كانت هذه الكلمة أو تلك تكتب بالظاء المشالة أو غير المشالة! وهو يقصد بالمشالة التي فوقها ألف، وهي الظاء المعروفة، وبغير المشالة: الخالية من هذه الألف في الخط، وهي الضاد المعروفة.

كما يقول كانتينو "": (وقد صارت الضاد ظاء في الألسن العربية الدارجة العصرية عادة واستوت تماما في الظاءات الأصلية في اللغة، فنشأ عن ذلك كيفيات مختلفة في نطق الضاد مماثلة لمختلف كيفيات نطق الظاء في العالم الناطق بالعربية، فتنطق في اللهجات المغربية ظاء ودالاً مضخمة وطاء، نحو: ظرب وضرب وطرب، في: ضرب). وفي كلامه هذا تعميم لا يصح، وإن كان مأخوذاً من اللهجات المغربية. غير أنه يعود فيقول: (وأكثر أنواع نطق الضاد في الفصحى شيوعاً هو نطقها كالظاء، إذا كان في لهجة المتكلم حروف ما بين الأسنان " الذال والثاء والظاء "، وكالدال المضخمة إذا انعدمت من لهجته تلك الحروف).

أما الضاد القديمة فقد عرفنا من قبل أن هناك نطقاً يشبهه عند أهل حضرموت، وهو كاللام المطبقة، فيما ذكره المستشرق (برجشتراسر).

ويضيف الدكتور خليل نامي إلى ذلك أن (هذا النطق موجود أيضاً في لهجات منطقة ظفار كالمهرية والشحرية، كما هو مجود أيضاً في منطقة دثينة بجنوب بلاد العرب، وهو موجود أيضاً في لهجات الجزيرة بالسودان "").

ونختم هذا البحث بمناقشة الحديث الذي ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنا أفصح من نطق بالضاد)، فنقول: لم يرو هذا الحديث في كتب الحديث الصحيحة. وقال عنه ابن الجزري "": (والحديث المشهور على الألسنة: أنا أفصح من نطق بالضاد، لا أصل له، ولا يصح).

وقد رواه ابن هشام في مغني اللبيب (1/ 114): (أنا أفصح من نطق بالضاد، بيد أني من قريش واسترضعت في بني سعد بن بكر). وقال عنه صاحب حاشية الأمير (1/ 97): (والحديث غريب لا يعرف له سند).

وفي صبح الأعشى (1: 202/ 7)! (والفصاحة والبلاغة إذا طلبت غايتها، فإنها بعد كتاب الله في كلام من أوتي جوامع الكلم، وقال: (أنا من أفصح من نطق الضاد).

وفي المزهر للسيوطي (1: 209/ 3): (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أفصح العرب، رواه أصحاب الغريب، ورووه أيضاً بلفظ أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير