ولكننا لا نستطيع أن نقطع بأن الجيل الموعود، لأن سلوكياته ما زالت تضج بالسلبيات الخطيرة فنحن نرى الجهلاء يفتون، ويصرون على الفتوى التى أباها كبار العلماء فيما مضى من الزمان إلا على كره منهم.
ومنهم من انتسب إلى السلفية، وحاد عن طريق السلف، فدعا الناس إلى الخوص معه فى المتشابه من الصفات الإلهية، بينما السلف يفوضون علمها إلى الله ولا يزيدون.
وهناك التسرع فى الرأى، والإصرار عليه، دون درس ولا وعى بالنتائج، ولا علم بألاعيب السياسة المعادية للإسلام، والتى تطعنه من حيث يظن الشباب والكثير من الشيوخ أنه المأمن والانتصار والحزم. فهم وكثير من الشيوخ ينادون بتحكيم الشريعة، وهذا هو أمل كل مسلم غيور، ولكنهم جميعا نسور أن تنفيذ الشريعة لا يكون من فراغ، ليس هو إقامة الحدود ونحن على ما نحن عليه من عدم الأمن على العيش ولا على العصمة من الفاحشة. لابد من قيام نظام الأخوة الإيمانية أولا، وتحقيق مجتمع الجسد الواحد، الذى يقيم الحجة على الخاطىء، ويضمن العدل فى سياسة الإسلام. لا يمكن أن نقطع يد السارق والمجتمع متقاطع متدابر، يأكل القادر فيه حق الفقير المفروض المعلوم، بل فضلا عن حقه القانونى من أجره على العمل ولا يمكن رجم الزانى فى مجتمع تحول إلى تقاليد الجاهلية التى سحقت قاعدة الإسلام فى يسر الزواج، والإقتصاد فى المهور، وسهولة إعداد الحياة الزوجية.
كانت الشريعة حاكمة حينما كان إيثار الغير على النفس دين المسلم، والزواج ميسورا نجاتم من حديد، أو بسورة من القرآن، وحينذاك كان الخاطىء يشعر بفداحة خطئه، فيتقدم من تلقاء نفسه إلى ولى الأمر ليطهره مما ارتكب من الإثم، لأنه كان يشعر من أعماقه أنه أجرم فى حق المجتمع الذى أحسن إليه، ويسر له وسائل الحصانة من الخطأ.
أما والطعام بعيد المنال، وصار الغنى يسحق كرامة الفقير، ويهدد إيمانه، والزوجة تعنى خراب البيت، وإثقال الديون، وسخافة فنون المطالب النسائية، فإن الخاطىء لا يحس بجرم الخطأ بقدر ما يحس بلذة الانتقام من المجتمع الذى اغتال حقوقه الثابتة فى مبادىء الإسلام وسماحته وقواعده التى لا يقوم حكم الشريعة إلا عليها.
هذه حقيقة لا تستطيع إنكارها، كما لا تستطيع إنكار أن هؤلاء الخاطئين بما لجوا خطأ غيرهم بخطأ أفدح منه وأخطر.
من هنا نشأت العقدة، ومن هنا وقف أعداء الإسلام ينتظرون تحكيم الشريعة قبل الإصلاح والواقى من الخطأ، لكى تفشل الجهود، وترتفع الأصوات منددة بوحشية المسلمين، وعدم صلاحية الشريعة للوفاء بمطالب الإنسان.
وتلك إحدى خططهم فى ضرب الإسلام بالإسلام ولو أن جهود الشباب الإسلامى وغيرهم من الشسوخ اتجهت إلى محاولة حل مشكلة الجوع بالزكاة، يدعون إليها ويجمعونها، ويوزعونها، كل فى الحى الذى يعيش فيه، وإلى حل مشكلة الزواج بالتيسير الشرعى فيما بينهم، لكانت تلك هى البداية الصالحة لتحيك الشريعة، والطريق القريب إلى هذه الغاية التى هتفوا إليها القلوب. فرعاية الأولى فالأولى دائما هى طريق النجاح، كما أنها أصل من أصول سلوكيات الإسلام.
* * *
قلنا: إن الفرد الذى اختار الإسلام دينا إذا اختل سلوكه فرفض القانون الإلهى، فإن أسباب الحياة المتقلبة ربما تضطرب هى الأخرى، فيصاب فى نفسه أو فى وسائل معاشه بقدر انحرف.
فإذا اختل سلوك المجتمع كله، وعنا عن أمر ربه، وجاهر مولاه بالعصيان والتمرد، ولم يجد من ينهاه عن المنكر، ويأمره بالمعروف، فإن ظواهر العمران تضطرب حتى ظواهر دمار بناء الحضارة من أساس. وهذا هو أثر اختلال الموازين فلا كلا الحالين.
يختل سلوك الفرد فتختل موازين نفسه وعقله وحسب، فيصاب بالعلل النفسية والعقلية والجسدية، وأو بإحداها، كما يصاب فى معاشه بالفقر، أو بالحرمان الذى ليسبب المرض، أو بالضياع الذى يسبب السفه، وهكذا الحال حين يختل سلوك المجتمع، ولكن السماء تشارك فى تخريب المجتمع بالوسائل التى زخر بها القرآن الكريم.
وليس أخطر فى الوجود على حضارة من الحضارات دينية كانت أو دينوية زمنية، من تبديل الفطرة ووظائفها التى شرعا الله لتكون النواة الأولى للمجتمع الصالح، ألا وهى فطرة الذكر والأنثى، وعمل كل منها فى الحياة.
¥