وتلك أولية من أوليات المعرفة الشرعية الفطرية التى قامت عليها موازين الحياة الإنسانية، كما قامت موازين الحياة الكونية على التوافق بين أنواع الأزواج التى خلق الله فيها كل شىء: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الذريات:49).
والخطة الإلهية الحكمية تقوم على أساس الوزن الدقيق لحركة كل فرد من الزوجين فى قيام البناء الكونى على هذا الوجه المحكم الذى نشهده فى كل شىء أمامنا فى الوجود كما أن هناك كذلك الوزن الدقيق لحركة التفاعل بين كل زوجين، ثم حركة التفاعل بين الأزواج جميعا على اختلاف أجناسها فى الكون كله، ولكن البداية الرئيسية هى حركة كل زوجين منفردين، وعلى الأخص حركة الزوجين من بنى الإنسان، سيد الأرض، وخليفة الله فيها.
ولقد حقق العلم الحديث مدى الخطر لما حق الذى ينجم عن أبى اختلال فى هذا الوزن الكونى فى لحركة الأزواج الكونية، مها كان ضي] لا فى رؤيتنا نحن البشر، كما حقق القرآن وحقوق العلم الدمار الناجم عن اختلال الموازين بين الإنسان ونفسه منفردا ومتفاعلا مع زوجيه.
ولقد سجل الله تعالى هذه الحقيقة فى القرآن، وحث على احترام الوزن الدقيق الذى أقام الوجود على أساس، فقال: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} (الرحمن 7:9).
وما ذلك الميزان إلا ميزان العدل بين حركات ووظائف الكائنات جميعا فى علوها وسفلها، وكأن الميزان الذى يستعمله الناس فيما يتعاطون بينهم من التجارات صورة مشهورة منه، حتى كان دمار حضارة مدين بعذاب الظلة نتيجة للإخلال بهذا الميزان المادى المعروف.
ومن خطة الشيطان فى إغواء الناس ودفعهم إلى الهاوية: أن يقريهم بخرق قانون ((الوزن بالقسط)) فى الماديات والمعنويات على السواء، إذ يقول الله تعالى على لسانه: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} (النساء: من الآية119).
وقد فسر رسول الله r تغيير خلق الله الذى هو خرق لقانون الوزن بالقسط تفسيرًا يدل على خطورة إهمال هذا القانون فى أدق الأشياء وأهونها فى أنظار الناس فقال فيما أخرج الإمام أحمد وغيره: ((لعن الله الواصلة والمستوصلة، والنامصة المتنمصة، والمتفلجات للحسن، والمغيرات خلق الله)).
لقد أدرك الرسول الأمى r ما فى خطة الشيطان من خداع، وما فى الخطة الإلهية من حكمة وإحكام، كما أدرك أن بدايات إخسار الميزان وأخطرها على الحركة الإسلامية إنما هى فى العدوان على فطرة الله بالتغيير فى الخلقة، فحرم على الأنثى أن تصل شعرها بشعر آخر، ورفض رجاء امرأة فى الإذن لا يوصل شعر ابنتها، لأن زوجها يحبه، وهو يتمرط ويتساقط، كما حرم تزجيح الحاجب، وتفليج الأسنان للتجميل وسمى من يصنعن ذلك الصنيع ((المغيرات خلق الله)) المستجبات للشيطان الذى آلى نفسه أن يدفع الناس إلى تغيير خلق الله.
ولا ينكر مخلوق يعيش الآن ما فى هذه الأعمال الثلاثة من جمال للمرأة، ولكن الرسول r كان اعمق علما بما فى هذا الجمال المصنوع المجاوز للعدل والوزن من خطر على بناء الإنسان ذكره وأنقاه، وهما وبما فيه من خطر على بناء الحضارة التى يسهم فى بنائها الإنسان المتعادل بالعمران، والإنسان المختل الموازين بالدمار، تماما كما يسهم الوزن العادل فى الماديات فى دوامة الثروة على قلتها، وكما يسهم التطعفيف فى الخراب رغم الثروة الضخمة الناشئة عنه.
فالجمال الأنثوى الناشىء عن الوصل والنمص والتفليج هو جمال أشد إثارة للشهوات من جمال الفطرة. تلك حقيقة لا ينكرها رجل ولا امرأة، ومتى اشتدت ثورة الشهوة وتجاوزت ميزانها الفطرى فقد بدأت فتنة الدمار تطل من مكانها.
¥