فإذاً لما هانت عليه هذه السنن الظاهرة هان عليه سوء الأدب معها، وهان عليه الغمز فيها والطعن، فهل هذا هو دين الإسلام الذي أراده الله للأمم كافة يا حضرة الأستاذ؟
ومن جنى على الدين؟ أنت أيها الطاعن في السنن الظاهرة أم المتمسكون بها في أشد الظروف والأحوال؟! فسبحان الله الكبير المتعال.
ثانيا: استغلاله للألفاظ المجملة:
لقد كان الأستاذ الجديع استغلاليا في كثير من مواطن الكتاب، فإذا ما وجد لفظا يحمل أكثر من معنى بادر بصرفه للمعنى الملائم له، وإن كانت القرائن تشهد بأنه في غيره، وأحيانا تستوي المعاني في الاحتمال فيحمله على معنى دون مرجح.
قال في كتابه اللحية ص (237 - 238):
" وممن صرح بالكراهة من أعيان الشافعية ... والغزالي المتوفى سنة " 505 " وبعده النووي
المتوفى سنة 676هـ فذكرا خصالا مكروهة في اللحية، منها بعبارة النووي: نتفها في أول طلوعها وذكرها النووي في شرح صحيح مسلم فجعلها اثنتي عشرة خصلة، فكانت الأخيرة حلقها ... " ا. هـ كلام الجديع
قال النووي في شرح مسلم:
" وقد ذكر العلماء في اللحية عشر خصال مكروهة بعضها أشد قبحا من بعض:
أحدها: خضابها بالسواد إلا لغرض الجهاد
الثانية: خضابها بالصفرة تشبيها بالصالحين لا لاتباع السنة
الثالثة: تبييضها بالكبريت أو غيره استعجالا للشيخوخة لأجل الرياسة والتعظيم، وإيهام أنه من المشايخ
الرابعة: نتفها أو حلقها أول طلوعها إيثاراً للمرودة وحسن الصورة
الخامسة: نتف الشيب
السادسة: تصفيفها طاقة فوق طاقة تصنعا ليستحسنه النساء وغيرهن
السابعة: الزيادة فيها والنقص منها بالزيادة في شعر العذار من الصدغين، أو أخذ بعض العذار في حلق الرأس ونتف جانبي العنفقة وغير ذلك.
الثامنة: تسريحها تصنعا لأجل الناس.
التاسعة: تركها شعثة ملبدة إظهارا للزهادة، وقلة المبالاة بنفسه.
العاشرة: النظر إلى سوادها وبياضها إعجابا وخيلاء، وغرة بالشباب وفخرا بالمشيب، وتطاولا على الشباب.
الحادية عشر: عقدها وظفرها
الثانية عشر: حلقها إلا إذا نبت للمرأة لحية فيستحب لها حلقها " ا. هـ
وهذه الخصال منقولة عن الإمام أبي طالب المكي من " قوت القلوب " كما ذكر النووي في المجموع (1/ 358)، والناظر فيها يعلم أن الكراهة المنصوص عليها ليست هي الكراهة التنزيهية فقط كما زعم الجديع، ولو راجع ما يقوله النووي عن بعض هذه الخصال من الحرمة لعلم ذلك فالإمام النووي يقول بحرمة الصبغ بالسواد كما في المجموع شرح المهذب (1 (360 /ويقول بحرمة نتف الشيب كما في المجموع أيضا (1/ 359) وقد نقل عنه القول بحرمة فيهما الحافظ ابن حجر فتح الباري (6/ 499) (10/ 351)، والجديع لا تخفى عليه مثل هذه المراجعات التي تكشف له عن معنى الكراهة في مثل هذه النصوص، ولكنه أعرض عن هذا واستغل إطلاق الكراهة فحمله على التنزيه بينما النووي قد ذكر أموراً محرمة مما يدل على عدم إرادته لما ذهب إليه الجديع. (8)
ثم كرر الجديع هذا الاستغلال فنقل قول ابن الهمام:
" ... وأما الأخذ منها وهي دون ذلك] أي القبضة [كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال فلم يبحه أحد: ا. هـ
فقال الجديع ص (232):
"فصدق ابن الهمام في أن ذلك الفعل لم يبحه أحد، وعدم الإباحة لا يعني التحريم، إنما الإباحة واحد من الأحكام التكليفية الخمسة ومنها الكراهة "
فأراد الجديع أن يحمل قوله: " لم يبحه أحد " على معنى الكراهة، باعتبار أن المكروه غير مباح أيضا، مع أن ظاهر الإطلاق " لم يبحه احد " هو الحرمة، فهو المتبادر للذهن من مثل هذا الإطلاق، ثم من حيث الاستعمال، فالذي أعلمه أن مثل هذا الإطلاق يستعمل غالبا في معنى الحرمة، فقد راجعت استعمالات كثير من العلماء فوجدتهم يستعملونه في معنى الحرمة، ولم أجد من استعمله في غير ذلك من معنى الكراهة أو نحوها.
وبمثل استعمال العلامة ابن الهمام جاء استعمال العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة نفسها فقال كما في الاختيارات:
" يحرم حلق اللحية للأحاديث الصحيحة ولم يبحه أحد "
وتابعت كتب شيخ الإسلام في هذا الإطلاق: " لم يبحه احد " فوجدته استعمله في ستة عشر موضعا كلها بمعنى الحرمة فانظرها في شرح العمدة (3/ 157) والقواعد النورانية
(1/ 207 - 210) وفى المجموع (8/ 544) (9/ 161) (11/ 267) (24/ 269) (29/ 149)
¥