" فابن الرفعة] في نقله التحريم عن الشافعي [فيما أحسب أراد قوله: " وهو إن كان في اللحية لا يجوز " وليس عن الشافعي في " الأم " ما هو أقرب إلى ما ذكر ابن الرفعة من هذا النص والله أعلم.
وكأن سائر الأصحاب ممن تقدم ابن الرفعة من محققي الشافعية كالرافعي والنووي لم يروا هذا عن الشافعي نصا في التحريم، كما فهمه ابن الرفعة" ا. هـ
وكأن الأستاذ لا يستطيع أن يصبر عن المغالطات والنقول الباطلة، ففي هذه الأسطر القليلة زعم الجديع المعاصر أن ابن الرفعة المولود سنة خمس وأربعين وستمائة إنما أراد بنقل التحريم- الذي لم ينقله باللفظ وإنما بالمعنى- هذا الكلام الذي لا توجد في أي من ألفاظه لفظة التحريم، ودون دليل سوى التخمين والظن، وما ادعاه من الاستقراء.
وقد اعترف الأستاذ بأنه ظن عندما قال: " فيما أحسب " ثم بنى على هذا الظن باطلا آخر، فزعم أن سائر محققي الشافعية ممن تقدموا ابن الرفعة ذهبوا إلى الكراهة، لأنهم فهموا من كلام الشافعي الذي عثر عليه الجديع وزعم أنه مستند ابن الرفعة فهموا منه الكراهة خلافا لابن الرفعة.
فانظر إلى الأستاذ وهو يفصل ويلبس على مزاجه وظنونه، وهكذا هو التحرير والتحقيق عنده مادام أنه يقرر به كراهة الحلق وينفي به الحرمة، فهذه هي الغاية التي أعد لها العدة وتجشم لأجلها المتاعب والصعاب.
وما استند عليه من أن سائر محققي الشافعية على الكراهة ممن تقدموا ابن الرفعة فقد سبق بيان بطلان هذا وأن من كبار أئمة الشافعية قد قالوا بالحرمة.
فلماذا كل هذا الباطل يا أستاذ.
ومن تكلفه أيضا ما وجه به الأستاذ كلام ابن حزم حيث نقل عن ابن حزم قوله:
" واتفقوا أن حلق جميع اللحية مثلة لا تجوز "
فقال الأستاذ ص (242):
" فحيث لم يجد ابن حزم من قال بإباحة حلق اللحية من السلف ومتقدمي العلماء، جعل ذلك منهم بمنزلة الاتفاق على المنع، مع أنه كما قدمت لم يأت عنهم القول بتحريم حلق اللحية، بل صورته محدثة، فينبغي أن لا ينسب إلى المتقدمين قول بخصوص ذلك لم يقولوه ... " ا. هـ
فابن حزم قد نقل اتفاق أهل العلم قبل ألف سنة تقريبا من وقتنا هذا، و جاء الأستاذ الجديع بعد ألف سنة ليبين لنا مستند ابن حزم في نقل الاتفاق، وأنه لم ينقل ذلك لأنه وقف على نصوص للعلماء ينصون فيها على تحريم حلق اللحية، فهذا لم يكن، والجديع بمهاراته وقدراته الخاصة وفراسته العجيبة أدرك هذا الأمر، فكأنما أوحي إليه وعلم أن ابن حزم إنما بحث فلم يجد من قال بإباحة حلق اللحية من متقدمي العلماء والسلف، فجعل من عدم وجوده هذا دليلا على أنهم متفقون على المنع وعلى التحريم، وإلا فهو على زعم الجديع لم يقف على اتفاقهم من خلال تواردهم على القول بالتحريم لأنه لم يأت عن المتقدمين من السلف ومن بعدهم القول بتحريم حلق اللحية كما قرر الأستاذ بل صورة الحلق محدثة.
وما دام أن حضرة الباحث المحرر لم يجد من قال بتحريم حلق اللحية من المتقدمين فينبغي على هذا أن يكون ابن حزم قبل ألف سنة لم يجد أيضا، وكيف يجد من النقول ما لم يجده الجديع وبالتالي فيلزم أن يكون مستنده في نقل الاتفاق هو هذا الأمر (عدم وجوده لمن قال بالإباحة).
وعلى هذا فلا ينبغي أن ينسب إلى المتقدمين قول بخصوص ذلك لم يقولوه كما قال الجديع فهو بمنزلة حذام، و
إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام
وهكذا يعبث الجديع بنقول أهل العلم ويثبت وينفي بمزاجه، ويتحكم في كلامهم ويتصور ويتخيل ويبني على هذه التخيلات العلالي والقصور، والغاية والغرض الانتصار للقول بجواز حلق اللحية وإبطال القول بالتحريم.
و إلا فإن من الثابت أن جماعة من العلماء نصوا على الحرمة من قبل أن يأتي ابن حزم كالشافعي والقفال الشاشي والحليمي وغيرهم مما لم نقف عليهم، فلم كل هذا التحكم؟
أتصل المهزلة العلمية إلى هذا الحد، فيكون جهلنا نحن حجة على الأئمة الأوائل في نقولهم؟
اللهم طهر قلوبنا من الأهواء.
الهوامش:
1 - أرجوا أن يتأمل القارئ في السبب الذي دفع الجديع إلى هذا الاضطراب أو هذه المغايرة في العرض ليتضح له المراد.
2 - كما نقله في (الجامع في أحكام اللحى) للرازحي ص (71)
3 - وهذا افتراء على أئمة الشافعية، فهناك من كبار أئمتهم من قال بالحرمة وسيأتي بيانه
¥